ولكن الأمر لم يقف عند حد ردة الفعل -التي وقف منها السلف موقفاً قوياً لعلمهم بخطورتها (?) -، بل تجاوزه على يد أهل الكلام الذين قعدوا لهذه البدعة، وأقاموا عليها مذهباً كاملاً في باب الإيمان ونواقضه.
كان جهل المرجئة بالشرع وإعراضهم عنه (?) سبباً في تعلقهم -لدفع خصومهم بأوهام ذاتية أو تصورات غريبة- بقواعد المنطق-بعد أن كان موضوعها الأصلي نفي الصفات-، فجعلوها علماً معياريا يحكم في القضايا النظرية الخلافية عامة، ومنها قضية الإيمان، وليس للنصوص فيها - إن وجدت - إلا مكانة ثانوية، فالأساس الذي انطلق منه أصل الإيمان عند المرجئة وغيرهم ممن ضل في باب الإيمان، هو المنطق، حيث أثبتوا ما أسموه (الماهية (?))، ذلك أن الحد المنطقي يشترط فيه وجود حقيقة وماهية يستوي فيها جميع أفراد المعرَّف، مما يعني القضاء بامتناع تفاضل أفراد النوع في الحقيقة والماهية.
فوضعوا سؤالاً هو: ما الإيمان؟ وأخذوا يبحثون في جوابه على الأسلوب المنطقي الذي يقصد من التعريف "تصور الماهية" (?) فضلوا؛ ذلك أن البحث في ماهية الإيمان المجردة -