أما لفظة "البدع المتقابلة":

فإنها لم تكن مشهورة في القرون الماضية، وإنما اشتهر التكلم بها بعد ذلك وقد نقل التكلم بها عن غير واحد من الأئمة والشيوخ (?)، وإن كان حقيقة هذا اللفظ المركب جديدة إلا أن معناها معروف في اللغة العربية، كما سبق بيانه، وفي كتب العقائد.

وقد بين شيخ الإسلام - رحمه الله - أن الانحراف في باب صفات الرب وتنزيهه -جل وعلا- قد تقاسمه أهل التعطيل، وأهل التمثيل، والانحراف في باب الإيمان وقع من طرفي: الغلو في تكفير أصحاب الكبائر، والتفريط من المرجئة في إخراج العمل من مسمى الإيمان، كما وقع الانحراف على هذا النحو في باب القدر، وباب الصحابة، وغيرها من أبواب الاعتقاد، كذلك وقع الانحراف في الأمة في النظر العقلي من جانبين، أهل الإفراط والإغراق في العقليات، من أهل الكلام ومن تأثر بهم، وأهل التفريط والتقصير في هذا الباب، من الصوفية وأهل التقليد، وقد يقترب من كل من الطائفتين بعض المنتسبين إلى السنة والحديث (?).

قال ابن القيم - رحمه الله -: "فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلو المعتدين، وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- هذه الأمة وسطاً، وهي الخيار العدول؛ لتوسطها بين الطرفين المذمومين،

والعدل هو الوسط بين طرفي الجور والتفريط، والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف، والأوساط محمية بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها" (?).

وقال ابن أبي العز: " فصار هؤلاء {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} الأنعام: 159، يقابلون البدعة بالبدعة، أولئك غلوا في علي، وأولئك كفروه! وأولئك غلوا في الوعيد، حتى خلدوا بعض المؤمنين، وأولئك غلوا في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد أعني المرجئة! وأولئك غلوا في التنزيه حتى نفوا الصفات، وهؤلاء غلوا في الإثبات، حتى وقعوا في التشبيه! وصاروا يبتدعون من الدلائل والمسائل ما ليس بمشروع، ويعرضون عن الأمر المشروع، وفيهم من استعان على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015