وتلافيا للوقوع في هذا المزلق الخطير، أمر الشارع الحكيم بالقصد وهو الوسط في العمل؛ فقد بوب البخاري - رحمه الله - في صحيحه باب القصد والمداومة على العمل، في كتاب الرقاق، وذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((أدومها وإن قلَّ)) (?) وقال: ((اكلفوا من الأعمال ما تطيقون)) (?).
وليس من الغلو طلب الأكمل في العبادة؛ بل الغلو تجاوز الأكمل إلى ما يؤدي إلى المشقة ونحوها، وليس الجفاء هو طلب الحد الأدنى من العبادة بل هو طلب التخفيف والتسهيل لحد الخروج عن شرعه وتجاوز حدوده باسم الدين.
قال ابن المنير - رحمه الله -: وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل (?).
ومن يظن أن إعمال نصوص الشرع تؤدي للغلو، فإنه واهم؛ لأنه لا تلازم بين التمسك بالنصوص والغلو؛ فقد كان الصحابة € أشد الناس تمسكاً والتزاماً لنصوص الشريعة مطلقاً (?)، ومع هذا لم يحصل لهم غلو أو تشديد، إلا في قضايا عينية (?) في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشد أصحابه إليها وعلمهم وبين لهم طريق العبادة المعتدل، فانتهوا (?).
المتأمل لواقع أكثر أصحاب التوجهات التي تميل إلى الغلو والعنف أو إلى الجفاء والتمييع يجد أن أصولهم الاعتقادية غير واضحة المعالم، ولا يكون ذلك إلا عن نقص كما لا يخفى، فهم يتميزون بالجهل وضعف الفقه في الدين، وضحالة الحصيلة في العلوم الشرعية، فحينما