ما اختلفوا حتى جاءهم العلم والبينات، فاختلفوا للبغي والظلم لا لأجل اشتباه الحق بالباطل عليهم، وهذا حال أهل الاختلاف المذموم من أهل الأهواء كلهم، لا يختلفون إلا من بعد أن يظهر لهم الحق ويجيئهم العلم، فيبغي بعضهم على بعض، ثم المختلفون المذمومون كل منهم يبغي على الآخر، فيكذب بما معه من الحق مع علمه أنه حق ويصدق بما مع نفسه من الباطل مع العلم أنه باطل" (?).
لا تكاد تجد أحداً غلا في شيء إلا وجفا في شيء آخر، فمن المستحيل تطبيق الشريعة بحجمها الشمولي لمن اتصف بالغلو أو بالجفاء، قال ابن حجر - رحمه الله -: " من تكلف الزيادة على ما طبع عليه يقع له الخلل في الغالب" (?).
لذا يلاحظ أن من يندفع نحو الغلو والتشدد في كل شيء لا يصبر ولا يطيق ذلك التغالي والمبالغة، فيتراجع وينقص أمر تدينه وسلوكه، إلا من أراد الله هدايته فيوفقه للرجوع إلى الطريق المستقيم، وهذا ما حذر منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهراً أبقى)) (?)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الدين يسر، ولن يشاد (?)
الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا)) (?).
قال ابن المنير (?): "في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع" (?).