ولذلك فإن معرفة حدود المشروع - من المأمور به والمنهي عنه- من أنفع الأشياء للعبد؛ حتى لا يُدخل فيها ما ليس منها، فيكون غالياً مُفْرِّطاً، ولا يُخرج منها ما هو داخل فيها، فيكون مقصراً مُفَرِّطاً (?).
وقد قرر العلماء أن الحق واسطة بين التفريط والإفراط، وهو معنى قول مطرف بن عبدالله: "الحسنة بين السيئتين" (?) وبه نعلم أن من جانب التفريط والإفراط فقد اهتدى.
الدليل على هذا تقارب معنى الغلو ومعنى البدعة، أن البدعة اصطلاحاً هي: الإضافة إلى الدين (?)، يقول ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: " ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدّل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدّل عليه فليس ببدعة شرعاً وإنْ كان بدعة لغةً" (?).
والغلو (?) في الدين نقيض الجفاء عنه، حيث إن مضمون الأخير التساهل في التدين الذى يلزم منه التقصير في الالتزام بضوابط الدين، غير أن كليهما يلتقيان في المحصلة (عدم الالتزام بضوابط الدين سواء بتجاوزها أو التقصير في الالتزام بها).
يقول ابن القيم - رحمه الله -: " ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين الجبلين، والهدى بين الضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين" (?).