إذا عرفنا أن الوسطية هي الخلاص من مشقة الإفراط وهاوية التفريط، وأنها دلالة على طابع التوازن والتكامل والانسجام، الذي نستقيه من فهم الإسلام واستلهام توجيهاته؛ وجب علينا أن نعرف ما المراد بالغلو والجفاء المناقضين للوسطية اللذين هما جنوح عن المنهج القويم وانحراف عن الصراط المستقيم، وفيما يلي بيان ذلك:
تدور الأحرف الأصلية لهذه الكلمة ومشتقاتها (?)، على أصل صحيح يدل على الارتفاع ومجاوزة القدر، فغلا في الأمر يغلو غلواً، أي جاوز الحد فيه وأفرط.
فأصل الغلو في كل شيء مجاوزة حده الذي هو حده، يقال: غلا في الدين غلواً تشدد وتصلب حتى جاوز الحد، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والغلو في الدين)) (?) أي: التشدد فيه ومجاوزة الحد، وغلا السهم: ارتفع في ذهابه وجاوز المدى، ويقال للشيء إذا ارتفع: قد غلا، وغلا النبت: ارتفع وعظم.
ومن هذا يتضح أن "الغلو" في اللغة هو: الارتفاع عن القدر المعتاد، أو مجاوزة الحدِّ المألوف في كل شيءٍ.