المنهج الحق وسط بين من يتلاعب بالنصوص، فيتأول الكتاب، وينكر الأحاديث الصحيحة، ولا يعبأ بإجماع السلف، وبين من يخبط خبط عشواء، فيتقبل كل رأي، ويأخذ بكل قول، لا يفرق في ذلك بين غث وسمين، وصحيح وسقيم (?).
مع أن الله - عز وجل - قد نهى عن التقليد الأعمى، فعاب على القائلين {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)} الزخرف: 22، كما نهى عن التوغل بالعقل لإدراك كيفية صفات الرب - عز وجل - فقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} طه: 110، ودعا -سبحانه وتعالى- إلى التوسط والأخذ بالمدركات كوسائط قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} الذاريات: 20 - 21.
فكان أهل السنة والجماعة وسط بين المحكمين للعقل: وإن خالف النص القاطع، والمغيبين له -أي: العقل- ولو في فهم النص، فليسوا ممن يقبل بالتسليم الساذج والتقليد الأعمى في العقائد، وليسوا كذلك ممن غلوا وتوغلوا بالعقل لإدراك كل شيء حتى الألوهية.
وأيضا فهم وسط بين غلو النصارى، وجفاء اليهود. فالنصارى غلوا في عيسى، فقالوا: هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة. وقالت اليهود: عيسى ولد زنا -حاشاه عليه السلام-.
وكذلك فهم وسط بين من خالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما نهاهم عنه، فغلوا فيه وقالوا ما ليس لهم به علم ولا عندهم من الله ورسوله فيه برهان، كفعل كثير من الضلال؛ وبين من جفا وقصر في حق النبوة والأنبياء، بعامة ونبينا - صلى الله عليه وسلم - خاصة، مثل تفضيل بعض غلاة الصوفية أولياءهم على الأنبياء والرسل (?).