لذا فليست الوسطية منهجية السلامة والبحث عن الأسهل والتهاون في الدين، فالوسطية لا ترسمها الأذهان، ولكنها الحق الأصيل الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقضى أمرها الرحمن {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} البقرة: 143.

قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً، وقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره، وقال: هذه سُبل، على كل سبيل شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} الأنعام: 153" (?).

فوُحِد لفظ صراط الله وسبيله، وجمعت السبل المخالفة له (?)، ليدلنا هذا على أن الخروج مفارقة الوسطية مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام؛ لأنها تقتضي التفرق شيعاً، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} آل عمران: 105، وقوله: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الأنعام: 153، وقوله: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم: 32، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} الأنعام: 159، وما أشبه ذلك من الآيات في هذا المعنى.

وقد بين عليه الصلاة والسلام أن فساد ذات البين هي الحالقة، وأنها تحلق الدين (?).

وجميع هذه الشواهد تدل على وقوع الافتراق والعداوة عند وقوع الابتداع (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015