خامساً: الحض على الوقوف عند حدود الله:

تعاضدت نصوص الشريعة الغراء في الحض على الوقوف عند حدود الشرع دون إفراط أو تفريط، والحث على التمسك بها من غير غلو أو جفاء، والأمر بلزوم غرزها بلا وكس ولا شطط (?).

ومن نظر إلى طرق أهل البدع في الاستدلال بالشرع عرف أنها لا تنضبط؛ لأنها سيالة لا تقف عند حد، فأهل البدعة والفرقة، عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والسنة -لذا فهم لا يقفون عند حدودهما-، ولكن اعتمادهم على أصولٍ ابتدعها شيوخهم في التوحيد والصفات والقدر والإيمان وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه، فحملوا الآيات مالا تحتمله عند السلف الصالح؛ فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى، والآيات والأحاديث التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن، فليس مقصودهم أن يفهموا مراد الله ومراد رسوله، بل أن يدفع منازعه عن الاحتجاج بها (?).

وكما تعددت النصوص الشرعية في النهي عن الزيادة عن الحد المشروع، فقد تكاثرت في مقابل ذلك النصوص الشرعية المحذرة من التهاون في الأوامر والنواهي، والتقصير في الشعائر والشرائع، فالأخذ بالنصوص جميعاً هو طوق النجاة من تعمق المتنطعة، ورخاوة المترخصة، وصمام الأمان من تفريط هؤلاء، وإفراط أولئك.

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} الأعراف: 170، وقال سبحانه: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)} الزخرف: 43، وقال جل وعلا: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} الجاثية: 18، وقال - عز وجل -: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)} الأنعام: 106، وقال تبارك وتعالى: {وَاتْلُ (?) مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} الكهف: 27.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015