وَأَمَّا " الْكَلْبُ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ.
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ تَخْرُجُ الصِّحَّةُ مِنْ جَوَازِ إعَارَةِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ كَمَا خَرَجَ جَوَازُ الْإِجَارَةِ. لِحُصُولِ نَقْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ بِغَيْرِ إشْكَالٍ. فَجَازَ أَنْ تُنْقَلَ.
قَالَ: وَالصَّحِيحُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ بِمَا عَدَا كَلْبِ الصَّيْدِ. بِدَلِيلِ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ» وَالْإِسْنَادُ جَيِّدٌ. فَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُعَلَّمِ. لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ.
وَفِي مَعْنَاهُ جَوَارِحُ الطَّيْرِ، وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ الصَّيَّادَةُ يَصِحُّ وَقْفُهَا وَيَجُوزُ بَيْعُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّيَّادَةِ.
وَمَرَّ فِي الْمُذْهَبِ رِوَايَةٌ بِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا أَعْنِي الصَّيَّادَةَ فَيَمْتَنِعُ وَقْفُهَا، وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ. انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ.
قَوْلُهُ (وَلَا مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا، كَالْأَثْمَانِ) .
إذَا وَقَفَ الْأَثْمَانَ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَقِفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِنْ وَقَفَهَا لِلتَّحَلِّي وَالْوَزْنِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَدَمُ الصِّحَّةِ أَصَحُّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إنْ وَقَفَهَا لِلزِّينَةِ بِهَا. فَقِيَاسُ قَوْلِنَا فِي الْإِجَارَةِ: إنَّهُ يَصِحُّ. فَعَلَى هَذَا: إنْ وَقَفَهَا وَأَطْلَقَ: بَطَلَ الْوَقْفُ. عَلَى الصَّحِيحِ.