قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ. لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ شَهَادَةَ مَسْتُورِي الْحَالِ لَا تُقْبَلُ. فَهُمَا كَالْفَاسِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا. فَإِنْ أَشْهَدَهُمَا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا. وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَأَشْهَدَهُ أَوْ تَرَكَ إشْهَادَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَإِنْ وَجَدَ عَدْلًا وَاحِدًا. فَفِي الْمُغْنِي: إشْهَادُهُ وَتَرْكُ إشْهَادِهِ سَوَاءٌ، قَالَ: وَهُوَ سَهْوٌ. فَإِنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ مَعْمُولٌ بِهَا مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ. فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُهَا. وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيلِ فَلَمْ يُوَكِّلْ، فَهَلْ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. نَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَبْطُلُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ.
فَائِدَةٌ: لَفْظُ الطَّالِبِ " أَنَا طَالِبٌ أَوْ مُطَالِبٌ، أَوْ آخُذُ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ قَائِمٌ عَلَى الشُّفْعَةِ " وَنَحْوَهُ مِمَّا يُفِيدُ مُحَاوَلَةَ الْأَخْذِ. لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَ غَائِبًا فَسَارَ حِينَ عَلِمَ فِي طَلَبِهَا، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِشْهَادِ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي سُقُوطِهَا وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الْحَارِثِيُّ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي شَرْحِ الْحَارِثِيِّ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَسْقُطُ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ.