وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَابِضِ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ: مَسْأَلَةَ الشِّرَاءِ، وَمَسْأَلَةُ الْهِبَةِ، وَمَسْأَلَةَ الْعَارِيَّةِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: أَنَّ الْأَيْدِيَ الْقَابِضَةَ مِنْ الْغَاصِبِ، مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ عَشْرَةٌ: مِنْهَا: الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. وَلَكِنْ نُعِيدُ ذِكْرَ يَدِ الْمُتَّهِبِ لِأَجْلِ نَظَائِرِهَا فِي الْيَدِ التَّاسِعَةِ.
فَالْيَدُ الثَّالِثَةُ: الْغَاصِبَةُ مِنْ الْغَاصِبِ، وَحَقُّهَا: أَنْ تَكُونَ أُولَى. لِأَنَّهَا كَالْأَصْلِ لِلْأَيْدِي. وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ الْغَاصِبَةَ مِنْ الْغَاصِبِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الضَّمَانُ كَأَصْلِهَا. وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا مَعَ التَّلَفِ تَحْتَهَا. وَلَا يُطَالَبُ بِمَا زَادَ عَلَى مُدَّتِهَا.
الْيَدُ الرَّابِعَةُ: يَدٌ آخِذَةٌ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ كَالِاسْتِيدَاعِ، وَالْوَكَالَةِ بِغَيْرِ جُعْلٍ. فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَهَا. ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمَّنَ عَلَى الْغَاصِبِ، لِتَغْرِيرِهِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهَا، وَلِتَلَفِ الْمَالِ تَحْتَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ مِنْ الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ كَذَلِكَ فِي الْمُرْتَهِنِ، وَنَحْوِهِ. وَأَوْلَى. وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مُودَعِ الْمُودِعِ، حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ. فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَحْدَهُ. كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَذَكَرَ: أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ مَنَعَ ظُهُورَهُ.