وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: وَتَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْمُسَافِرِ. وَفِي نِهَايَةِ أَبِي الْمَعَالِي: وَتُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقَادِمِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يُوَدِّعُ الْقَاضِي الْغَازِيَ وَالْحَاجَّ. مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ الْحُكْمِ. وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: اسْتِحْبَابَ تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ، وَمَسْأَلَتُهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ.
قَوْلُهُ (وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) بِلَا نِزَاعٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَدَارُ الْحَرْبِ: مَا يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ. زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ: صَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ أَوْ بَلَدُ بُغَاةٍ أَوْ بِدْعَةٍ. كَرَفْضٍ وَاعْتِزَالٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ. بِمَا إذَا أَطَاقَهُ. فَإِذَا أَطَاقَهُ وَجَبَتْ الْهِجْرَةُ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً فِي الْعِدَّةِ. وَلَوْ بِلَا رَاحِلَةٍ وَلَا مَحْرَمٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] عَنْ الْقَاضِي: أَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ فَرْضًا إلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْحَجِّ بِمَحْرَمٍ: إنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهَا: لَمْ تُهَاجِرْ إلَّا بِمَحْرَمٍ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: إنْ أَمْكَنَهَا إظْهَارُ دِينِهَا، وَأَمِنَتْهُمْ عَلَى نَفْسِهَا: لَمْ تُبَحْ إلَّا بِمَحْرَمٍ كَالْحَجِّ. وَإِنْ لَمْ تَأْمَنْهُمْ: جَازَ الْخُرُوجُ حَتَّى وَحْدَهَا، بِخِلَافِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ (وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: تَجِبُ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا تُسَنُّ لِامْرَأَةٍ بِلَا رُفْقَةٍ. فَائِدَةٌ قَالَ: لَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي.