ويجبُ بالنَّذْرِ وغيره، وهو سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ كفاية في العَشْر الأواخر من رمضان على سبيلِ الاستيعاب.
فإن قلت: ما السرُّ في اعتكاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في العَشْر الأواخر استيعابًا دونَ غيره من الأزمنة (1)؟
قلت: لأخذِ فضيلةِ ليلة القدر (2)، فإنَّها في العَشْرِ الأواخر من Q(1) قوله (فإن قلتَ: ما السرُّ ...): فإن قلتَ: ما الحكمةُ في إخفاء ليلة القدر، قلتُ: لتحصيل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عُيِّنَتْ لها ليلة لاقْتُصر عليها، كما في ساعةِ الإِجابةِ من يوم الجمعة، وهذه الحكمةُ مُطَّرِدةٌ عندَ من يقول: إنَّها في طول السَّنة، أو في جميع رمضان، أو في جميعِ العشرِ الأخير، أو في أوتاره خاصة، كذا في "الفتح" (?).
(2) قوله (ليلة القَدْر): بفتح القاف وسكون الدال، سُمِّيت بذلك لِعِظَم قدْرها؛ أي: ذات القَدْر العظيم؛ لأن القرآن قد نَزَل فيها؛ ولأن الله تعالى قد وَصَفها في كتابه القديم بأنَّها {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، ولأنَّ منْ أحيَاها بالعبادةِ يحصل له من القَدْر الجسيم، أو لأنَّ الأشياء تُقَدَّر فيها وتُقْضَى، كما قال الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.
وقيل: بفتح الدال على أنَّه مصدر قَدَّر الله الشيء قَدْرًا وقَدَرًا، وفيه لغتان، كالنَّهْر والنَّهَر، كذا في "إرشاد السَّاري" (?) للعلَّامة القَسْطَلاني المتوفى سنة تسعمائة وثلاث وعشرين لا سنة تسعمائة وعشرين كما صَدَر عن غيرِ مُلْتَزِمِ الصحة القِنَّوجي البُهوفالي في بعض تصانيفه، فإنَّه غَلَطٌ صريح، كما أنَّ قوله في "أبجد العلوم": إنَّ ابن حجر صاحب "فتح الباري" مات سنة 858 غلطٌ قبيح، فإنَّ وفاتَه كانت سنة 852.