ثم قال: وَمَا يقال مِنْ أَنَّ السُّنَّة هي استيعاب العشر، لكن على وجهِ الكفاية، حتى لو قام بها البعض سَقَط عن الباقين، ففيه نظر؛ لأنَّ القول بالكفاية إنَّما يَصِحُّ إذا كان فعلُ البعض مُؤدِّيًا للمقْصُود من السُّنَّة أو الوجوب، والمقْصود من الاعتكاف لا يحصل بفعل البعض، فلا معنى بكونه سُنَّةً على وجه الكفاية. انتهى.
قلت: الحق أنَّ استيعابَ العشر سُنَّةُ كفاية، فلا يحصل الحَرَج. وما أورده من النظر، ففيه نظرة إذ المقصودُ من الاعتكاف هو أداءُ حقوقُ المَسَاجد، وذلك يحصل بفعل البعض، كَمَا أنَّ المقصودَ من صلاة الجنَازة أداءُ حقِّ المسلم، وذلكَ يحصلُ بفعل البعض، وإنْ كان فردًا منهم فَلْيُتَدَبَّر.
فقد ثَبَتَ من هذه المَقَامَات: أنَّ الاعتكافَ في نفسِه مُسْتَحَبٌّ، Q= النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشَر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشرَ الأوْسَط، فَبَدا لهُ أن يعتكفَ العشر الأواخر، فكان يعتكف فيها حتى فَارَقَ الدنيا، وأنه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف عشرة أيام من شوال لما تَرَك الاعتكاف في العشر الأخير بسبب ما وقع من أزواجه، واعتكف عشرين يومًا من رمضان عَامَ قُبِضَ فيه، ولم يثبت استيعابه شهر رمضان كله بالاعتكاف، ولا اعتكاف يومٍ فضلًا عن بعض يوم (?).