لا يؤكِّد في الاعتكافِ تأكيده في غيره من السننِ، ولا يعيبُ أحدًا من الصَّحابة على ترك الاعتكاف، فإنَّ الاعتكاف إمَّا سُنَّةٌ مُخْتَصَّةٌ به غيرُ مُؤَكَّدة على الأمة، بل بقي في حَقِّهم مثل السُّنن الغير المؤكَّدة، أو كان واجبًا عليه مُختَصًّا به فَفَعَلَهُ؛ لامتثال الوجوب، فلا يكون على الأمَّة سُنَّة، بل مندوبًا مُحْضًا، وهذا غير بعيد. انتهى.
قلت: هذا التحقيق كله من عند نفسِهِ (1)، والحق عندي هو الذي ذَكَرتُ (2).
المقامُ الثالث:
هل هو سنَّة مؤكَّدة كفايةً، أم عينًا؟
فعامَّتهم على أنَّه سُنَّة (3) كفاية؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُنكر على مَنْ تركه من الصحابة، بخلاف السُّنَن المؤكَّدة، فدلَّ ذلك (4) على أنه سُنَّة كفاية، وبه جَزَم الشُّرُنْبُلالي في "مراقي الفَلاح"، والعلامة Q(1) قوله (من عند نفسه): لأن كونَ الاعتكاف مختصًّا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - لم يثبُت بعد، وأما كونه مندوبًا محضًا، فمخالفٌ لكلامهم.
(2) يعني: أنه سنة مؤكَّدة كفاية، ولا وَجْهَ للقولِ بالاختصاص به، وقد بينْتُ ما في ذلك الكلام من الخَلَل بوجوهٍ في حواشي المتعلقة بشرح الوقاية لصَدْر الشريعة، فَلْتُطَالع، فإنَّها كافيةٌ لتحقيق المُهِمِّات. (منه) عَمَّ فَيْضُه.
(3) قوله "على أنَّه سُنَّة": أي مُؤَكَّدة؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتركه إلَّا بسبب ما وقع من أزواجه، لكنه اعتكف بدلَه عَشْرًا من شوال.
(4) قوله (فدلَّ ذلك): أي عدم إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على تاركي الاعتكاف على أنَّه -أي الاعتكاف-: سُنَّةُ كفاية، إذا قام به البعضُ ولو فردًا سقطت مَلامَةُ ترك السنَّة المؤكَّدة عن الباقين.