القرآن، ومُدَارَسَةُ القرآن كانت مُختصَّةً به، فلذا كان للاعتكافِ اختصاصٌ به، فتاركُ الاعتكافِ من الأئمة لا يلحقُهُم الإِسَاءة؛ ولذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - Q= عليه السلام كان يعارضُهُ بالقرآن في الليالي كلِّها من رمضان، بخلاف الاعتكاف، فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكفُ في العشْرِ الأواخر منه فقط، إلَّا العام الذي تُوفي فيه، فإنه اعتكف في عشرين، ولم يَثْبُت استيعابُه شهرَ رمضان بالاعتكاف قط.
فإن قلتَ: ما السَّبب في أنَّ العرض بالقرآن كان مرَّة في كلِّ رمضان، ولمَّا كان العامُ الذي قُبض فيه عارَضَهُ به جبريل مرَّتين، وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكفُ في رمضان عَشَرة أيام، فلما كان العام الذي تُوفي فيه اعتكف عشرين؟
قلتُ: إنَّ السببَ في ذلك أنَّه - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ بانقضاءِ أجله، فأراد أن يستكثرَ من أعمال الخير؛ لِيَسُنَّ لأَمتِهِ الاجتهادَ في العمل إذا بلغوا أقْصى العُمُر؛ لِيَلْقَوا الله على خير أحوالهم، وقال ابن العربي: يحتمل أن يكون سبب ذلك أنَّه لما تركَ الاعتكافَ في العشر الأخير بسبب ما وقع من أزواجه، واعتكف بدله عشرًا من شوال اعتكف في العام الذي يليه عشرين؛ ليتحققَ قضاء العشر في رمضان. انتهى.
وأقوى من ذلك: أنَّه إنما اعتكفَ في ذلك العام عشرين؛ لأنَّه كان في العام الذي قبله مُسافرًا، ويدل له ما أخرجه النسائي -واللفظ له- وأبو داود وصححه ابن حبان وغيرُه من حديث أبي بن كعب: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكفُ العَشر الأواخِر من رمضانَ، فسافَرَ عامًا فلم يَعْتكف، فلما كانَ العامُ المُقْبِلِ، اعتكفَ عِشْرِين" (?)، كذا في "الفتح" (?).