فهذا الذي ورد في تقبيل الجماد ولا يقاس على الحجر الأسود غيرها1؛ لأنَّها اختصت بخصائص ليست لشيء من الجمادات؛ ولأنَّ تقبيلها لحكمة تختص بها فإنَّه أخرج الحاكم من حديث أبي سعيد أنَّ عمر لما قال هذا قال له عليُّ بن أبي طالب: إنَّه يضر وينفع، وذكر أنَّ الله لما أخذ الميثاق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر الأسود. قال: وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسانٌ ذلقٌ يشهد لمن استلمه بالتوحيد" 2. انتهى.

فهذه خاصة بالحجر الأسود ولا يلحق بها غيرها؛ إذ من شرط القياس الاشتراك في العلة اتفاقاً، وبهذا يعلم بطلان ما نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري من أنَّه استنبط بعضهم من تقبيل الحجر الأسود تقبيلَ كلِّ من يستحق التعظيم3 فإنَّه استنباطٌ باطلٌ، ولو سلمنا صحته فقد عارضه مفسدةٌ عظيمةٌ وهي أنَّ تقبيل القبور والأخشاب التي تنحت عليها ويقال لها التوابيت هو بعينه التي كانت تفعله عباد الأوثان لأوثانهم وهي من جملة عبادتها4، إذ كلُّ تعظيم فهو من العبادة، وتعظيم جماد لا يضر ولا ينفع منهي عنه؛ لأنَّ التعظيم من خاصية المعبود بحق فلا تعظيم إلا له تعالى بالعبادة بكلِّ جارحة من الجوارح ومن أذن لنا بأنْ نعظِّمه [617] من الأحياء من الأنبياء والمرسلين والعلماء العاملين ونحو ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015