وَأمرُوا بِهِ من ترك الْخَوْض فِيهِ أَن يُرَاعِي أصلين فان صَحا لَهُ من معتقده فَليعلم أَنه قد أصَاب فص الْحق وان أخطأهما أَو وَاحِدًا مِنْهُمَا فَليعلم أَنه قد غلط فَليُرَاجع النّظر
أَحدهمَا أَنه لَا فَاعل على الْحَقِيقَة الا الله تَعَالَى وان كل فَاعل غَيره انما يفعل بمعونة من عِنْده ومادة يمده بهَا من فيضه وَحَوله وَلَو وَكله الى نَفسه لما كَانَ لَهُ فعل الْبَتَّةَ
وَالثَّانِي أَن أَفعَال الْبَارِي عز وَجل كلهَا حِكْمَة مَحْضَة لَا عَبث فِيهَا وَعدل مَحْض لَا جور فِيهِ وَحسن مَحْض لَا قبح فِيهِ وَخير مَحْض لَا شَرّ فِيهِ وَأَن هَذِه الْأَشْيَاء انما تعرض فِي أفعالنا اما لوُقُوع الْأَمر وَالنَّهْي علينا واما لما ركز فِي خلقتنا من الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة الَّتِي ترينا بعض الْأَشْيَاء حسنا وَبَعضهَا قبيحا وكلا الصفتين لَا يُوصف بهما الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ لَا آمُر فَوْقه وَلَا ناهي وَهُوَ خَالق الْعقل وموجده
وَجُمْلَة ذَلِك أَنه لَا يشبه شَيْئا من الْمَخْلُوقَات فِي جِهَة من الْجِهَات فَكل قَول أداك الى تشبيهه بخلقه فِي ذَات أَو فعل فارفضه رفض النواة وانبذه نبذ القذاة وَاعْلَم أَن الْحق فِي غَيره فابحث عَلَيْهِ حَتَّى تظفر بِهِ وان لم يتَّفق لَك فهم الْغَرَض مِنْهُ وَالْمرَاد فاشدد يدك بِعُرْوَة هَذَا الإعتقاد وَلَا تتهم بارئك فِي حكمته وَلَا تنازعه فِي قدرته وَاعْلَم بِأَنَّهُ غَنِي عَنْك وَأَنت