حيث فاتني ما فاتني، وكان بيني وبين المشركين رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه، وهو يختطف المشي خطفًا لا أخطفه فإذا هو أبو عبيدة، فانتهينا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد كسرت رباعيته وشج وجهه، وقد دخل في وجنتيه حلقتان من حلق المغفر، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكما صاحبكما -يريد طلحة- فقد نزف»، فلم نلتفت إلى قوله، قال: ذهبت لأنزع من وجهه، فقال أبو عبيدة: أقسم عليك بحقي لما تركتني، فتركته فكره تناولها فيؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأرزم عليه بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين ووقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتمًا. فأصلحنا من شأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار، فإذا به بضع وسبعون من بين طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه (?).
وتتضح منزلة الصديق في هذه الغزوة من موقف أبي سفيان عندما سأل وقال: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات، ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا (?). فهذا يدل على ظن
أبي سفيان زعيم المشركين حينئذ بأن أعمدة الإسلام وأساسه؛ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وأبو بكر وعمر (?).
وعندما حاول المشركون أن يقبضوا على المسلمين ويستأصلوا شأفتهم، كان التخطيط النبوي الكريم قد سبقهم وأبطل كيدهم، وأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمين مع ما بهم من جراحات وقرح شديد للخروج من إثر المشركين، فاستجابوا لله ولرسوله مع ما بهم من البلاء وانطلقوا، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت لعروة بن الزبير في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، يا ابن أختي كان أبوك منهم: الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: «من يذهب في إثرهم؟» فانتدب منهم سبعين رجلا: كان فيهم أبو بكر والزبير (?).