وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: إني أخاف أن لا ألحق بهم. وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون من هؤلاء، ليكون العبد راغبًا راهبًا لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمة الله، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت

ولست تعجزه (?).

ثانيًا: وحان وقت الرحيل:

قالت عائشة -رضي الله عنها-: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل وكان يومًا باردًا فحم خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه (?)، ولما اشتد به المرض قيل له: ألا تدعو لك الطبيب؟ فقال: قد رآني فقال: إني فعال لما أريد. (?) وقالت عائشة -رضي الله عنها-: قال أبو بكر: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح (?) كان يسقي بستانًا له، فبعثنا بهما إلى عمر، فبكى عمر، وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبًا شديدًا (?).

وقالت عائشة -رضي الله عنها-: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه، دخلت عليه وهو يعالج ما يعالج الميت ونفسه في صدره، فتمثلت هذا البيت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر

فنظر إليَّ كالغضبان ثم قال: ليس كذلك يا أم المؤمنين، ولكن قول الله أصدق: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]، ثم قال: يا عائشة، إنه ليس أحد من أهلي أحب إليَّ منك، وقد كنت نحلتك حائطًا (?)، وإن في نفسي منه شيئًا فرديه إلى الميراث، قالت: نعم، فرددته. وقال - رضي الله عنه -: أما إنا منذ ولينا أمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015