لأن المتسلطين على رقاب العباد، المغتصبين لسلطان الله في الأرض، لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان. وإلا فما كان أيسر عمل الرسل في إقرار دين الله في الأرض! وهذا عكس ما عرفه تاريخ الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - وتاريخ هذا الدين على ممر الأجيال! إن هذا الإعلان العام لتحرير «الإنسان» في «الأرض» من كل سلطان غير سلطان الله، بإعلان ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين، لم يكن إعلانا نظريا فلسفيا سلبيا .. إنما كان إعلانا حركيا واقعيا إيجابيا .. إعلانا يراد له التحقيق العملي في صورة نظام يحكم البشر بشريعة الله ويخرجهم بالفعل من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك .. ومن ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل «الحركة» إلى جانب شكل «البيان» .. ذلك ليواجه «الواقع» البشري بكل جوانبه بوسائل مكافئة لكل جوانبه.
والواقع الإنساني، أمس واليوم وغدا، يواجه هذا الدين - بوصفه إعلانا عاما لتحرير «الإنسان» في «الأرض» من كل سلطان غير سلطان الله - بعقبات اعتقادية تصورية. وعقبات مادية واقعية .. عقبات سياسية واجتماعية واقتصادية وعنصرية وطبقية، إلى جانب عقبات العقائد المنحرفة والتصورات الباطلة .. وتختلط هذه بتلك وتتفاعل معها بصورة معقدة شديدة التعقيد ..
وإذا كان «البيان» يواجه العقائد والتصورات، فإن «الحركة» تواجه العقبات المادية الأخرى - وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على العوامل الاعتقادية التصورية، والعنصرية والطبقية، والاجتماعية والاقتصادية المعقدة المتشابكة .. وهما معا - البيان والحركة - يواجهان «الواقع البشري» بجملته، بوسائل مكافئة لكل مكوناته .. وهما معا لا بد منهما لانطلاق حركة التحرير للإنسان في الأرض .. «الإنسان» كله في «الأرض» كلها .. وهذه نقطة هامة لا بد من تقريرها مرة أخرى! إن هذا الدين ليس إعلانا لتحرير الإنسان العربي! وليس رسالة خاصة بالعرب! .. إن موضوعه هو «الإنسان» .. نوع «الإنسان» .. ومجاله هو «الأرض» .. كل الأرض. إن الله - سبحانه - ليس ربا للعرب وحدهم ولا حتى لمن يعتنقون العقيدة الإسلامية وحدهم .. إن الله هو «رب العالمين» .. وهذا الدين يريد أن يرد «العالمين» إلى ربهم وأن ينتزعهم من العبودية