كل نظام، دان البشر فيه للبشر، دفعوا من أموالهم ومن أرواحهم الضريبة الفادحة. دفعوها للأرباب المتنوعة في كل حال.

«إنه لا بد من عبودية! فإن لا تكن لله وحده تكن لغير الله .. والعبودية لله وحده تطلق الناس أحرارا كراما شرفاء أعلياء .. والعبودية لغير الله تأكل إنسانية الناس وكرامتهم وحرياتهم وفضائلهم. ثم تأكل أموالهم ومصالحهم المادية في النهاية.

«من أجل ذلك كله تنال قضية الألوهية والعبودية كل تلك العناية في رسالات الله - سبحانه - وفي كتبه .. وهذه السورة نموذج من تلك العناية .. فهي قضية لا تتعلق بعبدة الأصنام والأوثان في الجاهليات الساذجة البعيدة. ولكنها تتعلق بالإنسان كله، في كل زمان وفي كل مكان وتتعلق بالجاهليات كلها .. جاهليات ما قبل التاريخ، وجاهليات التاريخ. وجاهلية القرن العشرين. وكل جاهلية تقوم على أساس من عبادة العباد للعباد» (?).

والخلاصة التي ينتهي إليها القول في هذه القضية: أنه يتجلى بوضوح من التقريرات القرآنية بجملتها - وهذه السورة نموذج منها - أن قضية الدينونة والاتباع والحاكمية - التي يعبر عنها في هذه السورة بالعبادة - هي قضية عقيدة وإيمان وإسلام وليست قضية فقه أو سياسة أو نظام! إنها قضية عقيدة تقوم أو لا تقوم. وقضية إيمان يوجد أو لا يوجد. وقضية إسلام يتحقق أو لا يتحقق ..

ثم هي بعد - بعد ذلك لا قبله - قضية منهج للحياة الواقعية يتمثل في شريعة ونظام وأحكام وفي أوضاع وتجمعات تتحقق فيها الشريعة والنظام. وتنفذ فيها الأحكام.

وكذلك فإن قضية «العبادة» ليست قضية شعائر وإنما هي قضية دينونة واتباع ونظام وشريعة وفقه وأحكام وأوضاع في واقع الحياة .. وأنها من أجل أنها كذلك استحقت كل هذه العناية في المنهج الرباني المتمثل في هذا الدين .. واستحقت كل هذه الرسل والرسالات. واستحقت كل هذه العذابات والآلام والتضحيات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015