فرضها عليه. ومن شأن هذا التصور - فضلا عما يسكبه في القلب من راحة وطمأنينة وأنس - أن يستجيش عزيمة المؤمن للنهوض بتكاليفه، وهو يحس أنها داخلة في طوقه ولو لم تكن داخلة في طوقه ما كتبها اللّه عليه فإذا ضعف مرة أو تعب مرة أو ثقل العبء عليه، أدرك أنه الضعف لا فداحة العب ء! واستجاش عزيمته ونفض الضعف عن نفسه وهمّ همة جديدة للوفاء، ما دام داخلا في مقدوره! وهو إيحاء كريم لاستنهاض الهمة كلما ضعفت على طول الطريق! فهي التربية كذلك لروح المؤمن وهمته وإرادته فوق تزويد تصوره بحقيقة إرادة اللّه به في كل ما يكلفه. ثم الشطر الثاني من هذا التصور: «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ».فردية التبعة، فلا تنال نفس إلا ما كسبت ولا تحمل نفس إلا ما اكتسبت .. فردية التبعة، ورجعة كل إنسان إلى ربه بصحيفته الخاصة، وما قيد فيها له أو عليه. فلا يحيل على أحد، ولا ينتظر عون أحد .. ورجعة الناس إلى ربهم فرادى من شأنها - حين يستيقنها القلب - أن تجعل كل فرد وحدة إيجابية لا تنزل عن حق اللّه فيها لأحد من عباده إلا بالحق. وتقف كل إنسان مدافعا عن حق اللّه فيه تجاه كل إغراء، وكل طغيان، وكل إضلال، وكل إفساد. فهو مسؤول عن نفسه هذه وعن حق اللّه فيها - وحق اللّه فيها هو طاعته في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه، وعبوديتها له وحده شعورا وسلوكا - فإذا فرط في هذا الحق لأحد من العبيد تحت الإغراء والإضلال، أو تحت القهر والطغيان - إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان - فما أحد من تلك العبيد بدافع عنه يوم القيامة ولا شافع له وما أحد من تلك العبيد بحامل عنه شيئا من وزره ولا ناصر له من اللّه واليوم الآخر .. ومن ثم يستأسد كل إنسان في الدفع عن نفسه والدفاع عن حق اللّه فيها، ما دام هو الذي سيلقى جزاءه مفردا وحيدا! ولا خوف من هذه الفردية - في هذا المقام - فمن مقتضيات الإيمان أن ينهض كل فرد في الجماعة بحق الجماعة عليه، بوصفه طرفا من حق اللّه في نفسه. فهو مأمور أن يتكافل مع الجماعة في ماله وكسبه، وفي جهده ونصحه، وفي إحقاق الحق في المجتمع وإزهاق الباطل، وفي تثبيت الخير والبر وإزاحة الشر والنكر .. وكل أولئك يحسب له أو عليه في صحيفته يوم يلقى اللّه فردا فيتلقى هنالك جزاءه!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015