ضمير المسلم وسلوكه، وتقديره للقيم والنتائج في هذه العاجلة. فهو يمضي في طريق الطاعة، وتحقيق الخير، والقيام على الحق والاتجاه إلى البر سواء كانت ثمرة ذلك - في الأرض - راحة لم أم تعبا. كسبا له أم خسارة. نصرا له أم هزيمة. وجدانا له أو حرمانا. حياة له أو استشهادا. لأن جزاءه هناك في الدار الآخرة بعد نجاحه في الابتلاء، واجتيازه للامتحان .. لا يزحزحه عن الطاعة والحق والخير والبر أن تقف له الدنيا كلها بالمعارضة والأذى والشر والقتل .. فهو إنما يتعامل مع اللّه وينفذ عهده وشرطه وينتظر الجزاء هناك! إنها الوحدة الكبرى. طابع العقيدة الإسلامية. ترسمه هذه الآية القصيرة: الإيمان باللّه وملائكته. والإيمان بجميع كتبه ورسله، بلا تفريق بين الرسل، والسمع والطاعة، والإنابة إلى اللّه. واليقين بيوم الحساب.
إنه الإسلام. العقيدة اللائقة بأن تكون ختام العقائد، وآخر الرسالات. العقيدة التي تصور موكب الإيمان الواصب من مبتدى الخليقة إلى منتهاها. وخط الهداية المتصل الموصول بأيدي رسل اللّه جميعا. المتدرج بالبشرية في مراقي الصعود. الكاشف لها عن الناموس الواحد بقدر ما تطيق: حتى يجيء الإسلام، فيعلن وحدة الناموس كاملة، ويدع للعقل البشري التفصيل والتطبيق.
ثم هي العقيدة التي تعترف بالإنسان إنسانا، لا حيوانا ولا حجرا، ولا ملكا ولا شيطانا. تعترف به كما هو، بما فيه من ضعف وما فيه من قوة، وتأخذه وحدة شاملة مؤلفة من جسد ذي نوازع، وعقل ذي تقدير، وروح ذي أشواق .. وتفرض عليه من التكاليف ما يطيق وتراعي التنسيق بين التكليف والطاقة بلا مشقة ولا إعنات وتلبي كل حاجات الجسد والعقل والروح في تناسق يمثل الفطرة .. ثم تحمل الإنسان - بعد ذلك - تبعة اختياره للطريق الذي يختار: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ».وهكذا يتصور المسلم رحمة ربه وعدله في التكاليف التي يفرضها اللّه عليه في خلافته للأرض وفي ابتلائه في أثناء الخلافة وفي جزائه على عمله في نهاية المطاف. ويطمئن إلى رحمة اللّه وعدله في هذا كله فلا يتبرم بتكاليفه، ولا يضيق بها صدرا، ولا يستثقلها كذلك، وهو يؤمن أن اللّه الذي فرضها عليه أعلم بحقيقة طاقته، ولو لم تكن في طاقته ما