ولا ينسينا الهدف العظيم الذي يستهدفه السياق القرآني بهذا الاستعراض، أن نقف لحظات أمام روعة المشاهد وحيويتها وحركتها وإيحاءاتها العجيبة. فهي من هذه الوجهة كفء للهدف العظيم الذي تتوخاه ..
إن دورة التصور والشعور مع دورة الليل والنهار في هذا الفلك الدوار، والليل يطلب النهار حثيثا، ويريده مجتهدا! لهي دورة لا يملك الوجدان ألا يتابعها وألا يدور معها! وألا يرقب هذا السياق الجبار بين الليل والنهار، بقلب مرتعش ونفس لاهث! وكله حركة وتوفز، وكله تطلع وانتظار! إن جمال الحركة وحيويتها و «تشخيص» الليل والنهار في سمت الشخص الواعي ذي الإرادة والقصد ..
إن هذا كله مستوى من جمال التصوير والتعبير لا يرقى إليه فنّ بشري على الإطلاق! إن الألفة التي تقتل الكون ومشاهده في الحس وتطبع النظرة إليه بطابع البلادة والغفلة .. إن هذه الألفة لتتوارى، ليحل محلها وقع المشهد الجديد الرائع الذي يطالع الفطرة كأنما لأول وهلة! .. إن الليل والنهار في هذا التعبير ليسا مجرد ظاهرتين طبيعيتين مكرورتين. وإنما هما حيان ذوا حس وروح وقصد واتجاه. يعاطفان البشر ويشاركانهم حركة الحياة وحركة الصراع والمنافسة والسباق التي تطبع الحياة! كذلك هذه الشمس والقمر والنجوم .. إنها كائنات حية ذات روح! إنها تتلقى أمر اللّه وتنفذه، وتخضع له وتسير وفقه. إنها مسخرة، تتلقى وتستجيب، وتمضي حيث أمرت كما يمضي الأحياء في طاعة اللّه! ومن هنا يهتز الضمير البشري وينساق للاستجابة، في موكب الأحياء المستجيبة. ومن هنا هذا السلطان للقرآن الذي ليس لكلام البشر .. إنه يخاطب فطرة الإنسان بهذا السلطان المستمد من قائله - سبحانه - الخبير بمداخل القلوب وأسرار الفطر .. (?)