إنها قد تكون ست مراحل. وقد تكون ستة أطوار. وقد تكون ستة أيام من أيام اللّه التي لا تقاس بمقاييس زماننا الناشئ من قياس حركة الأجرام - إذ لم تكن قبل الخلق هذه الأجرام التي نقيس نحن بحركتها الزمان! ..
وقد تكون شيئا آخر .. فلا يجزم أحد ماذا يعني هذا العدد على وجه التحديد .. وكل حمل لهذا النص ومثله على «تخمينات» البشرية التي لا تتجاوز مرتبة الفرض والظن - باسم «العلم!» - هو محاولة تحكمية، منشؤها الهزيمة الروحية أمام «العلم» الذي لا يتجاوز في هذا المجال درجة الظنون والفروض!
ونخلص نحن من هذه المباحث التي لا تضيف شيئا إلى هدف النص ووجهته. لنرتاد مع النصوص الجميلة تلك الرحلة الموحية في أقطار الكون المنظور، وفي أسراره المكنونة: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ. أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ. تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» ..
إن اللّه الذي خلق هذا الكون المشهود في ضخامته وفخامته. والذي استعلى على هذا الكون يدبره بأمره ويصرفه بقدره. يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا .. في هذه الدورة الدائبة: دورة الليل يطلب النهار في هذا الفلك الدوار. والذي جعل الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره .. إن اللّه الخالق المهيمن المصرف المدبر، هو «ربكم» .. هو الذي يستحق أن يكون ربا لكم. يربيكم بمنهجه، ويجمعكم بنظامه، ويشرع لكم بإذنه، ويقضي بينكم بحكمه .. إنه هو صاحب الخلق والأمر .. وكما أنه لا خالق معه. فكذلك لا آمر معه ..
هذه هي القضية التي يستهدفها هذا الاستعراض .. قضية الألوهية والربوبية والحاكمية، وإفراد اللّه سبحانه بها .. وهي قضية العبودية من البشر في شريعة حياتهم. فهذا هو الموضوع الذي يواجهه سياق السورة ممثلا في مسائل اللباس والطعام. كما كان سياق سورة الأنعام يواجهه كذلك في مسائل الأنعام والزروع والشعائر والنذور.