إن هذه «اللافتة» المضللة التي ليس وراءها شيء من الحقيقة، تحول دون الانطلاق الإسلامي الكامل لمواجهة «الجاهلية».فتتحتم - إذن - إزالة هذه اللافتة وتعريتهم من ظلها الخادع وكشفهم على حقيقتهم الواقعة .. ولا نغفل الملابسات التي كانت قائمة في المجتمع المسلم يومذاك - والتي أشرنا إليها من قبل - سواء منها ما يختص بالتكوين العضوي لهذا المجتمع يومها، وما يختص بظروف الغزوة ذاتها في الحر والعسرة! وما يختص كذلك بالتهيب من لقاء الروم بسبب ما كان لهم في نفوس العرب - قبل الإسلام - من هيبة وسمعة ومخافة! .. ولكن الأعمق من هذا كله هو ما يحيك في النفس المسلمة، عند الأمر بقتال أهل الكتاب على هذا النحو الشامل .. وهم أهل كتاب!!!
وأعداء هذا الدين، الراصدون لحركات البعث الإسلامي الجديدة في هذا الجيل يرصدونها عن خبرة واسعة بطبيعة النفس البشرية، وبتاريخ الحركة الإسلامية، على السواء .. وهم من أجل ذلك حريصون - كل الحرص - على رفع «لافتة إسلامية» على الأوضاع والحركات والاتجاهات والقيم والتقاليد والأفكار التي يعدونها ويقيمونها ويطلقونها لسحق حركات البعث الإسلامي الجديدة في أرجاء الأرض جميعا. ذلك لتكون هذه اللافتة الخادعة مانعة من الانطلاق الحقيقي لمواجهة «الجاهلية» الحقيقة القابعة وراء تلك اللافتة الكاذبة! لقد أخطأوا - مضطرين - مرة أو مرات في إعلان حقيقة بعض الأوضاع والحركات وفي الكشف عن الوجه الكالح للجاهلية المنقضة على الإسلام فيها .. وأقرب مثال لذلك حركة «أتاتورك» اللاإسلامية الكافرة في تركيا .. وكان وجه الاضطرار فيها هو حاجتهم الملحة إلى إلغاء آخر مظهر للتجمع الإسلامي تحت راية العقيدة. ذلك المظهر الذي كان يتمثل في قيام «الخلافة» .. وهو - وإن كان مجرد مظهر - كان آخر عروة تنقض قبل نقض عروة الصلاة!
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:لَتُنْتَقَضَنَّ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتُقِضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا: الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ (?).