فلقد سبق أن ووجه أهل الكتاب بأنهم ليسوا على شيء من دين اللّه أصلا في قوله تعالى: «قُلْ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ .. وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ. وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ». (المائدة:68).

كذلك سبق وصفهم بالكفر، وضمهم إلى المشركين في هذه الصفة .. يهودا ونصارى .. أو مجتمعين في صفة «أهل الكتاب» في مثل قوله تعالى: «وَقالَتِ الْيَهُودُ: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ! غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا. بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ. وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً ... » ... (المائدة:64).

«لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ... » ... (المائدة:72) «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا: إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ... » ... (المائدة:73) «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ» .. «البينة:1».

وغيرها كثير، أثبتنا بعضه فيما تقدم، والقرآن الكريم - مكيّه ومدنيّه - حافل بمثل هذه التقريرات.

وإذا كانت الأحكام القرآنية قد جعلت لأهل الكتاب بعض الامتيازات في التعامل عن المشركين. وذلك كإحلال طعامهم للمسلمين، وإجازة التزوج بالمحصنات (أي العفيفات) من نسائهم .. فإن ذلك لم يكن مبنيا على أساس أنهم على شيء من دين اللّه الحق ولكن كان مراعى فيه - واللّه أعلم - أن لهم أصلا من دين وكتاب - وإن كانوا لا يقيمونه - فمن الممكن محاكمتهم إلى هذا الأصل الذي يدعون أنهم عليه! فهم في هذا يفترقون عن المشركين الوثنيين الذين لا كتاب لهم لأنه ليس لهم من أصل يردون إليه ويمكن محاكمتهم له .. أما تقريرات القرآن عن حقيقة ما عليه أهل الكتاب من عقيدة ودين، فهي صريحة وحاسمة في أنهم ليسوا على شيء من دين اللّه بعد ما تركوا كتبهم ودينهم إلى ذلك الذي صنعه لهم أحبارهم ورهبانهم ومجامعهم وكنائسهم! وفي قول اللّه - سبحانه - فصل الخطاب في هذا الموضوع! والمهم الآن أن نبرز دلالة هذا البيان الرباني لحقيقة ما عليه أهل الكتاب من العقيدة والدين ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015