قال: ثم إن أبرهة الأشرم بني بيعة لم ير الناس مثلها في زمانهم، ثم عزم أن يجعل حَجَّ العرب إليها، فلما بلغ العرب ذلك أكبروه وعظَّمُوه. فقال القُلَّيس الكناني ثم الفقيمي: أنا أكفيكم ذلك. ثم سار حتى ورد على أبرهة فقال: إني وافد قومي إليك على أن يحجوا لهذه البيعة. فسرَ ذلك أبرهة وأكرم القليس الكناني، حتى إذا عيد للحبشة وشغلوا بملاعبهم وشربهم اقبل القليس الكناني حتى دخل البيعة وسلح في كل زاوية منها ولوث به جميع البيعة حتى اقذرها، ثم قعد على راحلته راجعا إلى مكة، فلما دخل ابرهة كنيسته وجدها على ذلك الحال وفقده، فعلم انه صاحب ذلك، فغضب وعزم على غزو البيت الذي تحجه العرب، وبعث إلى النجاشي يخبره بذلك ويستمده، فأمده بجيش عظيم ثم ان ابرهة عزم على المسير إلى البيت، وخرج معه الفيل، فلما ذاع هذا منه في ارض العرب اكبروا ذلك، فقالت حمير: والله يامعاشر حمير، لئن سار ابرهة إلى البيت الحرام يريد هذمه ولم تقاتلوه ولم تمنعوه عن ذلك لسبة عليكم في العرب كلها. فنزلت حمير اليه من جبالها وعليها ذو القرنين الايقاع الحميري، ثم ساروا حتى لقوا ابرهة فقاتلوه قتالا شديدا فهزمت حمير، فانكشفت فلحقت بجبالها، وثبت ذو نفر حتى اسر، فأتى به ابرهة فكلمه المُضارب بن سعد الحميري فاستبقاه، ثم ان ابرهة وجه الاسود بن مقصود - وهو قائد من قواده إلى تهامة وعهد اليه فسار حتى اوقع بقيس وبني عقيل وأسر، وكان فيمن اسر خالد بن كعب بن كلاب. ثم سار حتى قدم تهامة فأخذ ما اصاب من سبي واخاف اهل الحرم، وكان جيشه كلهم سودان ليس فيهم عربي الا دليل، واقام الاسود بتهامة، وكتب إلى ابرهة بما يصنع، فسار ابرهة بعد ما هزم ذا نفر، فجمع له نفيل بن حبيب الخثعمي خثعما، ثم سار اليه فواقعه، فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت خثعم، فلحقت بخيلها، واسر نفيل بن حبيب، فأتى به ابرهة فقال نفيل: استبقني أكن دليلك في ارض العرب: فأستبقاه، فسار به نفيل حتى اتى يه إلى البيت الذي كانت ثقيف تعظمه بالطائف - وانما اراد صرفه عن الحرم - فقال نفيل: ايها الملك دونك هذا البيت فاهدمه، واصنع بأصحابه ما شئت. فقال له مسعود بن معب الثقفي: ايها الملك ليس هذا البيت الذي اردت. ذلك امامك وانه ذلك الاسود بن مقصور عنده ينتظرك، وبعث مسعود بن معتب عنده رجلا من ثقيف دليلا لابرهة على الحرم، فسار معه الدليل الثقفي حتى اورده مكة، وعظم امره في قلوب اهل تهامة وهربوا منه حتى لحقوا بشواهق الجبال، وكان الحبش فيما نهبوا من اموال الناس) نهبوا (كنانة، واخذوا ابلا لعبد المطلب بن هاشم، فأقبل اليه عبد المطلب بن هاشم حتى أتى عسكر ابرهة بطلب فداء ابله، فدخل على ذي نفر بن الايقاع الحميري - وكان له صديقا - فقال: هل عندك حيلة؟ فقال ذو نفر: واي حيلة عند محبوس مأسور؟ وكلم ذو نفر انيسا سائس الفيل وقال: يا أبا رباح هذا سيد قريش، وصاحب هذا البيت، فاستأذن له على الملك. فدخل انيس فأستأذن له، فدخل عبد المطلب على ابرهة فأعجب به ابرهة، وقال: سل حاجتك. فقال: مائتا بعير اخذها الاسود بن مقصور. قال ابرهة: لقد كنت اعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك عند هذا: لانك سألتني مالك دون دينك، انا اريد هدم بيتكم الذي تحجونه، وهوعزمكم، وانت تطلب مني ابلا؟ فقال عبد المطلب: انما اطلب ابلي، واما البيت فله رب وسيمنعه. فردوا عليه ابله، واتى عبد المطلب قريشا وقال لهم: اتاكم مالا طاقة لكم به، فأرغبوا إلى ربكم، ثم اخذ بحلقة الباب فقال:

يا رب لا ارجو لهم سواكا ... يارب فأمنع منهم حماكا

ان عدو البيت من عاداكا

وفي نسخة قال

لا هُم ان المرء يمنع رحله ... فامنع رحالك

لا يغلبن صليبهم ومحالهم ... ابدا محالك

ان كنت تاركهم وبيتك ... فافعل الهي ما بدا لك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015