وملك سبعا وخمسين سنة.
قال عبيد بن شربة: ثم ملك رجل ليس من أهل المملكة وهو من أبناء المقاول يقال له خثيعة ذو شناتر، وكان من أفَظَّ مَلِكَ في حمير وأشطهم قِيلاً بلا جرم، وكان لا يسمع بغلام نشأ من بيت المملكة له قّدْر وأدب إلا بعث إليه فنكحه ليَّلا يطمع في مُلِكٍ مَاَ بَقَى حميرُ لا تَمَلَّكُ مَن لُعَب به فلم يزل أمره كذلك حتى بلغه عن غلام منهم يقال له ذو نُواس كانت له ذؤابتان تَنُوسَان على عاتقه: أي تذبذب، اسمه يوسف بن ذرعة - وذو نُوَاس بالسين المهملة وضم النون وبهما سمى ذو نواس، وهو من ولد تُبَع، وكان هذا الغلام لا يزال يُعَبّر الغلمان بما يأتي إليهم خثيعة. فلما بعث إليه أعَدّ ذو نُوَاس سِكَّيناً لطيفا، فلما أُدخِل عليه هَسَ إليه، وذهب ليلتزمه فوجأ لبَّتَه فقتله، واحْتَزَّ رأسه فوضعه في كُوَّة في المشرفة ووضعَ السِّوَاك في فيه، وكانت علامته إذا فرغ من فجوره، ونزل ذو نُوَاسَ ومَرّ بالحَرَس، فقال بعضهم ذو أنَواس لا بأس، افرخ روعك في الناس. فقال ذو نُواسَ وهو مُدْبِرٌ عنهم: ما عَلَى ذي نُواس من بأس، بل عليكم البأس من الرأس ومضى فنظر الحَرَسُ إلى خثيعة فقالوا: نعس الملك. فلما طال ذلك عليهم صعدوا فإذا به قتيل، فأخبروا الناس وبعثوا إلى الميامنة والمقاول، فاجتمعوا وقالوا: لا يملكنا ولا يَسُوسُنا إلا الذي أراحنا من فضيحته وبَلِيَّته، ولم يَكْلَمْهُ الطمعُ كما كَلَم أولادنا، فملَّكُوه.
وكان ملك خثيعة ذي شناتر سبعا وعشرين سنة.
قال عبيد بن شربة: ثم إن حمير بعثت إلى ذي نُوَاس فعرضوا عليه المملكة فما تكرَّه عليهم، فملكَّوُه أمْرَهم. وذو نُواس هذا صاحب الأخدود الذي ذكره الله في كتابه، وذلك أنه دان باليهودية، وبلغه عن أهل نَجْران أنهم دخلوا في النصرانية برجل أتاهم من جهة ملوك غسّان فعلمهم ايَّاها، فسار إليهم بنفسه حتى عرضهم على أخاديد احتفرها في الأرض وملأها جَمْراً، فمن تابعه على دينه خَلَّى عنه، ومن أقام على النصرانية قذفه فيها، حتى أتي بامرأة معها صبيٌّ لها ابن سبعة أشهر فقالت إن لم أرجع عن ديني فليس الا من رحمتك. فقال ابنها، وهو رضيع وهو في حجرها - يا أمّاه امضى على دينك، فإنه لانار بعدها، فعجبت المرأة من كلام الغلام، ومضت على دينها، ورمى بها وابنها في النار، وبلغ ذا نواس ففزع وكفَّ، وخرج من نجران حتى أتى صنعاء، ورفع الأخاديد.