ومن عامله أبو امامة، الذي تنافر اليه الهذلي والاسدي، فلما سألاه إن يحكم بينهما، قال لهما: اني لا اقضي بينكما الا إن تجعلا عقدا وثيقا إن لا تضرباني، ولا تشتما لي عرضا، فأني لست في بلاد قومي؛ ففعلا. فقال الاسدي: كيف تفاخر يا اخا بني اسد العرب، وانت تعلم انه ليس في حي العرب احب إلى الحبس، ولا ابغض إلى الضيف، ولا اقل لحب الرايات منكم. وأما انت يا هذلي فكيف تكلم الناس وفيكم ثلاث خلال: انتم أغدر قبيل العرب، واكثرهم فسادا للحرم، وسألتم النبي) إن يحل لكم الزنا. ولكن إذا اردتم ببني مضر فعليكم بهذين الحيين تميم وقيس، وان اردتم موضعا يصلح للخلافة فعامله. وانا الذي اقول:
إذا ما قريش قضت امرها ... فأن الخلافة في عاملة
قوما في غير حفظ الله
ومنهم مالك بن عمرو صاحب مالك، وسماك الذي قال: اطلب أثرا لخديعين. وكان من حديثه إن بني قشير كان يطلب في عاملة، وخلا فأخذ منهم رجلين، وهما اخوان، يقال لاحدهما: مالك، والاخر سماك. فقال لهما اني اخذ ثأري منكما، أو قاتل احدكما، فاختار ايكما بكم أقتل.
فجعل كل واحد منهم يقول: انا اقتل مكان اخي، فأنا، فلما رأى ذلك قتل سماكا وخلى سبيل مالك.
وفي ذلك يقول سماك حين أقتل بالقتل:
الا من شحت ليلة عامدة ... كما ابدا ليلتي واحدة
فابلغ قضاعة إن جئتهم ... وحض سراة بني ساعدة
وابلغ لعاملة إن نأت ... بان الرماح هي العائدة
فاقسم لو قتلوا مالكا ... لكنت لهم حية راصدة
فيا ام سماك لا تجزعي ... فللموت ما تلد الوالدة
ثم انصرف مالك إلى قومه فسألوه عن سماك، فقال لهم: هوي البلد فأقام به، فلبث بهم لا يخبرهم بموته، فبينما هو ذات يوم نائم في حجر امه إذا بركب على الطريق يتغنى ويقول:
فأقسم لو قتلوا مالكا ... لكنت لهم حية راصدة
فيا ام سماك لا تجزعي ... فللموت ما تلد الوالدة
فلما سمع مالك الصوت، قام مذعورا قد تغير لونه، فاستيقنت امه إن سماك قد قتل. فقالت: قبح الله يا مالك العيش بعد سماك. اخرج في طلب ثأر اخيك. فخرج في الطلب، فلقي قاتل اخيه وهو سائر في نفر من قومه، وقد تنكر مالك لهم، فلم يعرفه احد، فسار معهم، فلما نزلوا. قال له مالك: إن جملا لي قد ذهب في هذا الموضع، وهو جمل احمر نفيس الثمن. فأن اردت إن تطلبه معي فافعل، فقام مع مالك، فلما غابا عن الركب، واستخلى به، اسفر له عن تلثيمه فعرفه، فقال: يامالك هل لك إلى مائة من الابل تأخذها، وتكف عما تريد تفعل. فقال له مالك: لا اطلب اثرا بعد عين، فارسلها مثلا، ثم حمل عليه، فقتله، وهو يقول:
يا راكبا بلغن ولا تدعن ... بني قشير وان هم جزعوا
فليجدوا مثل ما وجدت فقد ... كنت حزينا مسنى وجع
لا اسمع اللهو في الحديث ولا ... ينفعني في الفراش مضطجع
ولا وجدت نكلا كما وجدت ولا ... وجدوا عجوزا ضلها ربع
ولا كبيرا ضل ناقته ... يوم توفى الحجيج واجتمعوا
ينظر في وجوه الرجال فلا ... يعرف شيئا فالوجه ملتفع
حللته صارم الحديدة كالملح ... وفيه شقائق لمع
اضربه باديا بواحدة ... يدعو صداه والرأس منصدع
بني قشير قتلت سيدكم ... فاليوم لا رقة ولا جزع
قال بعض اهل النسب، إن مرا وعاملة ولخما وحذاما وانمار أو الاشعار من ولد كهلان بن سبأ، كما ذكرنا في متقدم انسابهم.
وقال بعض: بل هو من بني سبأ، والاشعر بن سبأ، وعاملة بن سبأ، وانمار بن سبأ، وعمرو بن سبأ، وهو أبو لخم وحذام بن عمرو بن سبأ والله اعلم.
فولد مر بنو سبأ، ويقال انه من ولد كهلان بن سبأ ثلاثة رهط: المعافر، وشعبان، وكسع بن مر فولد المعافر بن مر اربعة رهط: الاحروب والاشعوب، والسفاعة واخوه. فمن هؤلاء تفرقت معافر.