وكان بين هذا البيت من لخم وبين ملوك آل جفنة من غسان حروب كثيرة في أيام مشهورة ووقائع مذكورة منها يوم حليمة، وهو اشهر يوم من ايام العرب. ولذلك قال: ما يوم حليمة بشر. فذهبت مثلا. وفي ذلك قتل المنذر الاكبر بن النعمان الملقب بماء السماء. وهو الملك يومئذ على العراق، وعلى أهل الشام من آل جفنة الحارث الاعرج بن جبلة بن الحارث الاكبر الغساني وقتل أبناء الحارث يومئذ غدرا ومكرا، ولهم خبر طويل يأتي في موضعه ان شاء الله.
وكان من حديث وقعة الروضة من تنوف لما ولي راشد بن النظر الفحجي، وتقدم على امامة الصلت بن مالك، وهو يومئذ امام لم يغير ولم يبدل عاد جماعة من اليحمد على راشد بن النظر، وارادوا عزله. وكان من وجههم الفهم بن وارث الكلبي، ومصعب وأبو خالد أبناء سليمان الكليبان، وخالد بن شعوة الخروصي، وسليمان بن اليماني، وشاذان بن الصلت، ومحمد بن مرجعة، وغيرهم، من وجوه اليحمد، فأجتمعوا بالرستاق، وكاتبوا مسلما وأحمد بن عيسى بن سلمة العوتبيين وسألوهما ان يبايعا لهما في الباطنة من العتيك من بني عمران، وما كان على رأيهم من ولد مالك بن فهم. فكاتبا نصر بن المنهال العتكي الهجاري، من ولد عمران. واستجاشا سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي من ولد مالك بن فهم، وسألوه المعونة لهم.
وكان سليمان شيخا مطاعا في قومه بالباطنة. وكان نصر بن المنهال رئيسا تقدمه العتيك في الباطنة وتطيعه. فأستحضر اليهما وبايعهما على نصرة شاذان بن الصلت، ومن اليحمد على عزل راشد بن النظر، فأجابهما إلى ذلك وانجز لهما ما استدعياه منهما من معونة.
وخرج نصر بن المنهال، فبايع العتيك في الباطنة. وخرج معه سليمان ابن عبد الملك بن بلال السليمي، فبايع من بالباطنة من قومه من سليمة، وفراهيد وغيرهم من سائر ولد مالك بن فهم. وساروا جميعا إلى شاذان بن الصلت والفهم بن وارث، ووجوه اليحمد بالرستاق فأكدوا البيعة لهم وخرجوا جميعا إلى نزوى. فأخذوا طريق الجبل يريدون عزل راشد بن النظر. وكان الخبر قد اصتل به. فلما صاروا بالروضة من تنوف من حدود الجوف وجه اليهم راشد بن النظر السرايا والجيوش، خيلا ورجالا، وكان من قواده على السرايا يومئذ عبد الله بن سعيد بن مالك الفحجي، والحواري ابن عبد الله الحداني، واهل سلوت، والحواري بن محمد الداهني، فكبسهم ليلا، وهم نزول بالروضة من تنوف وهم لا يشعرون. فوقعت بينهم وقعة شديدة، وقتل مقتلة عظيمة، ورجال كثير من أهل الروع والعفاف.
ووقعت الهزيمة على اليحمد والعتيك وبني مالك بن فهم ومن معهم. فأما اليحمد فإنهم كانوا عارفين بالموضع فتعلقوا برؤوس الجبال، بعد ان قتل منهم جماعة وأسر منهم من نحن نذكره ونسميه. وأما العتيك وبنو مالك بن فهم، فصبروا في المعركة حتى قتل نصر بن المنهال العتكي، وولداه، المنهال وغسان، أبناء نصر بن المنهال، واخوه صالح بن المنهال العتكي، وقتل من بني مالك بن فهم، حاضر بن عبد الملك بن بلال السليمي، وابن اخيه المختار بن سليمان بن عبد الملك بن بلال السليمي، في نفر من قومه. وقتل من فراهيد: خداس بن محمد الفرهودي، واخوه جابر بن محمد، في جماعة من قومه، واسروا من اليحمد، الفهم بن وارث الكلبي، وخالد بن شعوة الخروصي، وغيرهم، فحبسهم راشد بن النظر سنة أو اكثر ثم سأل في بالهم موسى بن موسى وجماعة من وجوه أهل عمان ونزوى عمان، فأطلقهم.
ووقعت الفتنة بين أهل عمان بسبب الوقعة. ثم انهم انكروا على راشد بن النظر وضللوه لتقدمه على امامة الصلت بن مالك، وهو يومئذ إمام لم يغير ولم يبدل ولم تلحقه قالة. وكل ذلك والصلت حي لا يمت وهو معتزل في بيته، وإنما مات بعد هذه الوقعة بزمن.
وفي هذه الوقعة يقول أبي بكر محمد بن حسين بن دريد الازدي، يعير قبائل قومه من ولد مالك بن فهم ويحرضهم على أخذ الثأر بمن قتل منهم في الروضة من تنوف. وانشأ يقول:
نبأ نابه وخطب جليل ... بل رازيا لهن عبء ثقيل
بل عرام مباده بل ... دهارس وقعهن وبيل
ان للبقاع من تنوف محلا ... ليس للمكرمات عنده حويل
حال فيه الردى يحيل قدحا ... ارحزت حصلها وفات الخليل