وكان ضماد بن مسرح غائبا عن اهله، ولم يشاهد وقعة ابن حممة به.
فقدم بعد ذلك وقد كان خلف ابا سفيان ابن اخيه، على اهله قال: ان كنت تكفيني، والا اقمت عليهم. فقال ابن اخيه: انا امنعهم عوزهم عن مائة، ففر عنهم ليلة غزاهم بن حممة.
وكان مع ابن حممة رجل من دوس، اخته عند ضماد بن مسرح اليشكري بن الحارث، فقصد اليها اخوها الدوسي، فقالت: يا أخي استأخر عني فأني حائض. فقال اخوها: لست بحائض، ولكن في درعات سخل سوء من ابن الحارث. ووضع شبة قوسه في درعها فخرج غلام كانت خبأته، فقتله الدوسي، وكان يقال لأخته نصرة. فقال الدوسي:
ألا هل اتى أهل الحصين وقد نأت ... خلافتنا في أهله ام مسرح
تركناك لا اهلا نثوب اليهم ... ومالك بالأهجار من متمنح
تركناك ان تذكر علامات أرضنا ... ودون اخيال العقاقير تكلح
ونصرة تدعو بالفتى ويكرها ... برائبة ينفحن من كل منفح
فلما قدم خماد، ورأى ما صنع بأهله وولده، قطع اذني ناقته. ثم صاح ببني الحارث فأجتمعوا فتغازوا سبع سنين لا يتراجعون ويتناقلون الاشعار وقيل في ذلك قول الطفيل، ذي النون بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن عمرو بن فهم بن غانم بن دوس بن عدنان:
فلا وإله الناس ارام سلمهم ... وان ريمته مهنب وبنو فهم
أسلم على خسف وما كنت خالدا ... وما لي من واق إذا راعني حتم
فلا سلم حتى تقرع الخيل بالقنا ... وتصبح طير كانسات على لحم
ولما يكن يوم أغر محجل ... تسيره الركبان من دوننا ضخم
ثم ان بني الحارث الغطريف، اوقعوا بدوس، بذي الحور، فنالوا فيهم. وتنحت دوس حولا إلى تهامة، فقال ابو هند بن الصبيب الحارثي لعمرو بن حممة الدوسي:
أاي عمرو ان الخبث أضحى كانه ... زرابي غصاب فهل أنت مانعه
ومثل أبي وهب وان كان حازما ... تركناه في صم العوالي تنازعه
هنالك شتى غير حول وجوبها ... يظل بها للبرد جعدا أصابعه
يبت بها العود السديد محللا ... يرادعه نضر بن ليلى مسامعه
فتلك نوى عمرو فلا يبرحنها ... من الموت أو يدنو لنا فنماصعه
فأجابه ابن سعد الدوسي:
فإن تمنعونا حيث حول فإنه ... كثير سوافنه كثير نواقعه
به ابعد يعتاد غاد ورايح ... وباغي على ولا يزال يطالعه
فنحن منعناكم تراث ابيكم فأمست لنا آطامه ومزارعه
ونحن حللنا طاهر الحرث منزلا ... فخرج بني درب فحلت موارعه
بعز ارومي ومجد موثل ... وجد كريم صارع من يصارعه
فلم يزالوا كذلك تسع سنين، ولا يتراجعون، حتى كان يوم حضوره، فأجتمعت بنو الحارث إلى ضماد بن مسرح الحارثي، وسارت دوس عليها عمرو بن حممة الدوسي، حتى التقوا بحضوة إلى ضماد مسرح، حتى وقف على رأس عويرة، وهو جبل، وكان يافعا. ونزل إلى الحارث، وأفنى يشكر، واتتهم دوس، فأمر خالد بن ذي الشامة، هندا، وجندلة وفطيمة، ونصرة قبتن بنتا. وكن صباحا، فجعلن يسقين دوسا، ويحضضنهم على القتال، وكن إذا رجع رجل من دوس فارا لقينه بمحكة وقلن مرحبا بك معنا فأنك من النساء، فيرجع مشحوذا، وقال راجز دوس وقد اصطفوا:
قد علمت صفرا خرسا الذيل ... نرجى قرونا مثل اذناب الخيل
سرابة المحصن تروك القيل ... ام مروقا دونها كالسيل
ودتها خط القتاد بالليل فكان اول ما بدأ من حربهم ان رجلا خرج من دوس، فرمى سهما. وقال: انا ابو زين: فقال ضماد، وهو رأس الجبل، يا قوم رأيتم فأرجعوا. ثم رمى آخر من دوس. وقال خذها وانا ذكر. فقال ضماد: ذهبوا بذكرها. فقالوا حنبت. قال كلا، ثم تزاحفوا فأقتتلوا حتى كثر القتل في كلا الفريقين. ثم انهزمت بنو الحارث الغطريف. وكان الظفر لدوس. ففي ذلك يقول جندب بن الغامدية الدوسي:
ومعرور بحضوة قد تركنا ... مقيما كلما ذكر النضاري
كانا بالصعيد فجانبيه ... على آثار يشكر لسفح ناري
وسال المصطلحات فشعب عبد ... نجيعا مثل ضياء الجواري