وفَدَ حاتمٌ بن عبد الله وزيدُ الخيل على النعمان بن المنذر فأمر بإدخال حاتم وحده، وأراد أن يُفْسِد بَيْنَه وبين زيد الخيل، فقال النعمان: أحَقاً ما يقولُ زيدٌ؟ قال أبيت اللَّعْنَ: وما يقول زيد؟ قال: يزعم أنه أفضل منك. فقال له أبيتَ اللعن، بنُوه ليسوا مثله، ولا يعاشرون فِعْله، أخسهم أفضل مني. قال له النعمان: أوَرَضيت بذلك؟ فقال حاتم: ما يُبارىَ زيدٌ ولا يُنازع. فانصرف حاتم وهو يقول:

يحاولني النعمان كَيْ يستفزّني ... وهيهات مَنْ ذا قال حَاتَمُ يُخْدَع

كَفَاني عاراً أن أُضيِم عشيرتي ... بِقَوْلٍ في غيرهِ مُتَوَسَع

ثم أمر بإدخال زيد الخيل، فلما صار عنده قال له النعمان: أحقا ما يقول حاتم؟ قال: وما يقول أبيتَ اللّعْنَ؟ قال: إنه يقول إنه أفضل منك. قال: صَدَق حاتمٌ، هو أصْلَبُنا عودا. وأسبَقْنا جُوداً. قال له أرضيت بذلك؟ قال: لو أن حاتما ملكني وولدي لاستوهبنا. ثم انصرف زيد وهو يقول:

يقول لي النعمان لا مِن نصيحة ... أرى حاتما في فضله متطاولا

له فوقنا باعٌ كما قال حاتم ... وما الصلح فينا كالذي كان حاولا

ومن ثعل أبو حَنْبل، واسمه حارثة بن قُرَ وفي نسخة جابر بن مُرّ، وكان من أشراف ثعل في أيامه، هو الذي أجار امرأ القيس بن حجر الكندي، وله حديث. والحنبل القصير، ويقال للرجل القصير حَنْبَل، وهو القائم بحرب الغوث، وقد عاش حتى أدرك حاتما.

ومنهم مُجِيرُ الجراد. وهو أبو حَنْبَل مُدْلج بن مُرّ بن سويد بن مَرْثد بن عمروا، وكان عزيزا منيعا. وفي قول بعض: إنه هو أبو حَنْبَل حارثة ابن مُرْ، وإنما سمي مُجِير الجراد لأن الجراد سَقَط بقْرب داره، وقَعَد الناس يصيدونه، فَحَماه منهم وأجاره منهم، فسُمِّي مُجِيرَ الجراد. وكان من حديثة فيما ذكره ابن الاعرابي عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أنه خلا ذات ذات يوم في قُبَّته فإذا هو بقوم من طيء ومعهم أوعيتهم. فقال: ما خطبكم؟ قالوا: غزونا جارَك. فقال: وأي جيراني؟ قالوا: جرادٌ نَزَل بفنائك. فقال: أما إذ قَدْ سَمَّتْمُوه لي جارا فَلَن تصلوا إليه أبدا. ثم ركب فرسه. وأخذ رُمْحه وقال: والله لا يعرض له منكم أحدٌ إلا قَتْلته. ثم نادى في بني أبيه وفتيانه وولده فاسْتَلَّوا السيوف وأشرعوا القنا، وانصرف الناسُ عن الجراد، ولم يزل يحرسه حتى حميت عليه الشمس، فضربت العرب به المثل، فقالت: أنت أحمى من مجير الجراد وفيه يقول شاعر طيء:

وبالجَبَلَيْن لنا مَعْقِلٌ ... سَمَوْنا إليه بضُمّ الصعاد

ملكناه في أولَيَاتِ الزَّمَان ... مِن بَعْدِ نوحٍ ومِن قَبْل عَاد

ومِنَّا ابنُ مُرَّ أبُو حَنْبَل ... أجارَ مِنَ الناسَ رَجْلَ الجراد

وزَيْدٌ لنا حَاتِمٌ ... غياثُ الوَرَى في السِّنين الشداد

ومن شعرائهم المفضل وهو أوّل من قال الشعر من بعد طيء. ومنهم عارض الشعر، واسمه قيس بن جروة. ومنهم قيس بن جحدر جد الطَّرَمَّاح. وكان شاعرا وكان حاتم بن عبد الله استوهبه من بعض مُلُوك آل جفنة - كان أسره - فوهبه فقال في ذلك:

فككتَ عَدِيَّا كلَّها من إسارها ... فأفضْل وشَفَّعني بقيس بن جَحْدر

أبوه أبي والأم من امهاتنا ... فأنعم فِدَاك اليومَ أهلْي ومَعْشِري

ومنهم الطرماح بن حكيم بن نفر بن قيس بن جَحَدر بن ثعلبة بن عبد ابن مالك بن أنمار بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثُعل بن عمرو بن الغوث بن طيء. وكان الطرمَّاح لا يدافع عن الخطابة والبلاغة والشعر، وزعم محمد بن سهل راوية الكميت أنشد قول الطّرمَّاح شعرا:

إذا قُبضَت روحُ الطّرمَّاح أخْلَقَتْ ... عُرْى المَجْدِ واستَرْخَت عِنَانُ القصايد

فقال الطّرمّضاح: أي والله، وعِنَان الخطابة والبلاغة، وكان الطّرمَّاح يرى رأيا الخَوَارِج، والطرماح هذا غير الطِّرمَّاح الذي وفد إلى الحسن بن علي، ذلك الطَّرمَّاح بن عَدِي بن حاتم الطائي أيضا. والطَّرمَّاح: الطويلُ، وكل شيء طويل فقد طَرْمَحْتَه. قال الشاعر:

طرمَحوا الدَّورة الحداج وأضخت ... مثل ما أمتدّض من عماية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015