واما النَّاصِر دَاوُد فَإِنَّهُ لما ضَاقَتْ عَلَيْهِ الامور سَار الى النَّاصِر يُوسُف صَاحب حلب مستجيرا بِهِ وَكَانَ قد بَقِي عِنْده من الْجَوْهَر مِقْدَار كثير يُسَاوِي مائَة الف دِينَار اذا بيع بالهوان فَلَمَّا وصل الى حلب سير الْجَوْهَر الْمَذْكُور الى بَغْدَاد وأودعه عِنْد الْخَلِيفَة المستعصم وَوصل اليه خطّ الْخَلِيفَة بِتَسْلِيمِهِ ثمَّ فِي مستهل شعْبَان سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة قبض عَلَيْهِ الْملك النَّاصِر يُوسُف وَبعث بِهِ الى حمص واعتقله بهَا لامور بلغته عَنهُ ثمَّ أفرج عَنهُ بشفاعة الْخَلِيفَة المستعصم وامره أَن لَا يسكن فِي بِلَاده فَرَحل الى جِهَة بَغْدَاد فَلم يمكنوه من الْوُصُول اليها وَطلب وديعته الْجَوْهَر فمنعوه إِيَّاهَا وَكتب الْملك النَّاصِر يُوسُف الى مُلُوك الْأَطْرَاف أَنهم لَا يأوونه فَبَقيَ مشتتا ثمَّ نزل الأنبار - وَبَينهَا وَبَين بَغْدَاد ثَلَاثَة ايام - وَهُوَ يتَضَرَّع للخليفة المستعصم فَلَا يُجيب ضراعته وَيطْلب وديعته فَلَا يرد لهفته وَلَا يجِيبه إِلَّا بالمماطلة ثمَّ أرسل الْخَلِيفَة يشفع فِيهِ عِنْد الْملك النَّاصِر فَأذن لَهُ فِي العودة الى دمشق ورتب لَهُ شَيْئا يصل اليه ثمَّ فِي سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة طلب من النَّاصِر يُوسُف دستورا الى الْعرَاق بِسَبَب طلب وديعته من الْخَلِيفَة وَهُوَ الْجَوْهَر وَأَن يمْضِي الى الْحَج فَأذن لَهُ فَسَار الى كربلاء ثمَّ مضى مِنْهَا الى الْحَج وَلما رأى قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعلق فِي أَسْتَار الْحُجْرَة الشَّرِيفَة بِحُضُور النَّاس وَقَالَ اشْهَدُوا ان هَذَا مقَامي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَاخِلا عَلَيْهِ مستشفعا بِهِ الى ابْن عَمه المستعصم فِي أَن يرد عَليّ وديعتي فأعظم النَّاس ذَلِك وَجَرت عبراتهم وارتفع بكاؤهم وَكتب بِصُورَة مَا جرى مشروح وَدفع الى أَمِير الْحَاج وَذَلِكَ فِي يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة فَتوجه النَّاصِر دَاوُد مَعَ الْحَاج الْعِرَاقِيّ وَأقَام بِبَغْدَاد فَلَمَّا أَقَامَ بهَا بعد وُصُوله من الْحجاز واستشفاعه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رد وديعته فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وسِتمِائَة أرسل