الانس الجليل (صفحة 392)

الْبلَاء زحف بعسكره ودهم الإفرنج وَنهب من خيامهم وأمس تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ أَمر بدق الكؤس سحرًا حَتَّى ركب الْعَسْكَر فجر ذَلِك الْيَوْم من الْقِتَال أَشد مَا كَانَ من أمس وَوصل إِلَى السُّلْطَان مطلعة من الْبَلَد إِنَّهُم عجزوا وَلم يبْق إِلَّا تَسْلِيم الْبَلَد فمعظم الْأَمر عل السُّلْطَان وَفِي هَذَا الْيَوْم بعث العساكر وزحف إِلَى خنادقهم وخالطوهم وَحصل بَينهم قتال شَدِيد وَلما تكاثر الإفرنج عل عكا وَقل الْمُسلمُونَ لِكَثْرَة من اسْتشْهد خرج سيف الدّين عل المشطوب غل ملك الافرنسيس بِأَمَان وَقَالَ لَهُ قد علمْتُم مَا عاملنا كم بِهِ عِنْد أَخذ بِلَادكُمْ من الْأمان لأَهْلهَا وَنحن نسلم إِلَيْك الْبَلَد عل أَن تُعْطِينَا الْأمان ونسلم فَقَالَ إِن أُولَئِكَ الْمُلُوك كَانُوا عَبِيدِي وَأَنْتُم مماليكي أفعل بكم مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيِي فَقَامَ المشطوب من عِنْده مغتاضاً وَأَغْلظ لَهُ فِي القَوْل وَقَالَ نَحن لَا نسلم الْبَلَد حَتَّى نقْتل بأجمعنا ونقتلكم قبلنَا وَلَا يقتل منا وَاحِد حَتَّى يقتل خمسين وَلما رَجَعَ المشطوب وَعلم حَاله هرب جماع من الْأُمَرَاء والأجناد مِمَّن بِالْبَلَدِ وَغَضب عَلَيْهِم السُّلْطَان وَأخرج إقطاعتهم ثمَّ رَجَعَ بَعضهم إِلَى الْبَلَد فَحصل لَهُ الرِّضَا وَوَقع فِي بَعضهم شَفَاعَة واستمروا عل المقت عِنْد السُّلْطَان وَفِي يَوْم الْخَمِيس حصلت وقْعَة عَظِيمَة وَاشْتَدَّ فِيهَا الْحَرْب وَأصْبح الْعَسْكَر يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الشَّهْر عل أهبة الْقِتَال فَلم يحصل شَيْء وَاقْتضى النَّهَار والعسكر مُحِيط بالعدو والعدو مُحِيط بِالْبَلَدِ واصبح يَوْم السبت والإفرنج قد ركبُوا وَخرج مِنْهُم أَرْبَعُونَ فَارِسًا واستدعوا بِبَعْض المماليك الناصرية فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم أَخْبرُوهُ أَن الْخَارِج صَاحب صيدا فِي أَصْحَابه وَهُوَ يَسْتَدْعِي نجيب الدّين أحد أُمَنَاء السُّلْطَان لِأَنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد فِي الرسالات للإفرنج فَلَمَّا حضر أرْسلهُ إِلَى السُّلْطَان ليتحدث فِي خُرُوج من بعكا بِأَنْفسِهِم بِحكم الْأمان وطلبوا فِي مُقَابلَة ذَلِك أَشْيَاء لَا يُمكن وُقُوعهَا وتعنتوا فِي الِاشْتِرَاط فتردد من عِنْد السُّلْطَان نجيب الدّين مرَارًا وَكَانَ الإفرنج اشترطوا إِعَادَة جَمِيع الْبِلَاد وَإِطْلَاق أساراهم فبذل السُّلْطَان لَهُم عكا بِمَا فِيهَا وَإِن يُطلق فِي مُقَابلَة كل شخص أَسِيرًا فَلم يقبلُوا وسمح لَهُم برد صَلِيب الصلبوت وانفصل الْأَمر على غير اتِّفَاق وَضعف الْبَلَد وَعجز من فِيهِ (اسْتِيلَاء الإفرنج على عكا) وَفِي يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع عشر من جُمَادَى الْآخِرَة اجْتمعت الإفرنج بجموعها وهجمت وطلعت فِي السُّور المهدوم فثار عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ وصدوهم وحصلت الْوَقْعَة حَتَّى كلت الرِّجَال فَخرج سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المشطوب وحسام الدّين حُسَيْن بازيك وَأخذ أَمَان الإفرنج عل أَن يخرجُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم عل تَسْلِيم الْبَلَد ومائتي ألف دِينَار وَخَمْسمِائة أَسِير من المجهولين وَمَا اسر من المعروفين وصليب الصلبوت وَأَشْيَاء ذكرَاهَا غير ذَلِك فَلم يشعرا إِلَّا بالرايات الإفرنجية قد نصبت على عكا وَمَا عِنْد السُّلْطَان علم بِمَا جر عَلَيْهِ الْحَال فانزعج السُّلْطَان والمسلمون لذَلِك وَنقل الثّقل تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى منزلَة الأول بشغرعم وَأقَام فِي خيمة لَطِيفَة ثمَّ انْتقل سحر لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشر الشَّهْر إِلَى المخيم وَهُوَ فِي غم عَظِيم فسلاه أَصْحَابه واستعطفوا بخاطره وَخرج رَسُول بهاء الدّين قراقوش لطلبا قدروه من القطيعة وَقَالَ أد ركونا بِنصْف المَال وَجَمِيع الاساري وصليب الصلبوت قبل خُرُوج الشَّهْر وَإِن تَأَخّر شَيْء من ذَلِك أسرنا وَنصف المَال يصبرون بِهِ إِلَى شهر آخر فأحضر الأكابر وفاوضهم فأشاروا باستنقاد إخْوَانهمْ من الْمُسلمين فشرع السُّلْطَان فِي تَحْصِيله وَكتب إِلَى الأقطار يعلمهُمْ بِالْحَال ويستنفرهم للْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخ جماد الْآخِرَة خرج الإفرنج وانتشروا فَضربت الكاسات السُّلْطَانِيَّة فَانْتدبَ الْعَسْكَر وَاشْتَدَّ الْحَرْب وَانْهَزَمَ الإفرنج فَجَاءَت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015