بَنو إِسْرَائِيل من الْقُدس فألجاؤهم إِلَيّ الرملة ثمَّ احاطوا بهم هُنَاكَ فَتلك قُبُورهم وَلَقَد آتى الله دَاوُد مَا نَص عَلَيْهِ فِي كِتَابه الْعَزِيز قَالَ تعال (وَلَقَد تينا دَاوُد منا فضلا) يَعْنِي النُّبُوَّة وَالْكتاب وَقيل الْملك وَقيل جَمِيع مَا أُوتِيَ من حسن الصَّوْت وتليين الْحَدِيد وَغير ذَلِك مِمَّا حض بِهِ وَقَوله تَعَالَى (يَا جبال أوبي مَعَه - أَي سبحي مَعَه وَقيل نوحي مَعَه - وَالطير) عطف عل مَوضِع الْجبَال وَقيل مَعْنَاهُ وسخرنا أَي أمرنَا لطير أَن يسبح مَعَه فَكَانَ دَاوُد إِذا نَادَى بالنياحة وأجابته الْجبَال بصداها وعكفت عَلَيْهِ الطير من فَوْقه فصدى الْجبَال الَّذِي يسمعهُ النَّاس الْيَوْم من ذَلِك وَقيل كَانَ دَاوُد إِذا تخَلّل الْجبَال فسبح الله تَعَالَى جعلت الْجبَال تجاوبه بالتسبيح نَحْو مَا يسبح وَقَوله تعال (وألنا لَهُ الْحَدِيد) حَتَّى كَانَ الْحَدِيد فِي يَده كالشمع والعجين يعْمل مِنْهُ مَا يَشَاء من غير نَار وَلَا ضرب مطرقة وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن دَاوُد لما ملك بني إِسْرَائِيل كَانَ من دعاته أَن يخرج للنَّاس متنكراً فَإِذا رأى رجلا لَا يعرفهُ تقدم إِلَيْهِ يسْأَله عَن دَاوُد وَيَقُول لَهُ مَا تَقول فِي دَاوُد وإليكم هَذَا أَي رجل هُوَ؟ فيثنون عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ خيرا فقيض الله لَهُ ملكا عل صُورَة آدَمِيّ فَلَمَّا رَآهُ دَاوُد تقدم إِلَيْهِ عل عَادَته وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ الْملك نعم الرجل هُوَ لَوْلَا خصْلَة وَاحِد فِيهِ فراع دَاوُد ذَلِك وَقَالَ لَهُ مَا هِيَ يَا عبد الله؟ قَالَ إِنَّه يَأْكُل وَيطْعم عِيَاله من بَيت المَال ويتقوت بِهِ فَتنبه لذَلِك وَسَأَلَ الله أَن يسبب لَهُ شَيْئا يَسْتَغْنِي بِهِ عَن بَيت المَال فيتقوت مِنْهُ وَيطْعم عِيَاله فألان الله لَهُ الْحَدِيد وَعلمه صنعه الدروع وَهُوَ أول من اتخذها وَقيل إِنَّه كَانَ يَبِيع كل درع بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم فيأكل وَيطْعم مِنْهُ عِيَاله وَيتَصَدَّق مِنْهَا عل فُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَيُقَال إِنَّه كَانَ يعْمل فِي كل يَوْم درعاً يَبِيعهُ بِسِتَّة آلَاف دِرْهَم فينفق مِنْهَا أَلفَيْنِ على عِيَاله وعل نَفسه وَيتَصَدَّق بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم عل الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين من بني إِسْرَائِيل