أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فمع الحلقة الثامنة من حلقات الأندلس: من الفتح إلى السقوط.
قبل: الدخول في الحلقة المعتادة هناك بعض التعليقات والأسئلة بخصوص الحلقات السابقة.
شكوى متكررة من كثرة الأسماء والتواريخ والأرقام وما إلى ذلك، والحقيقة أن هذه المجموعة لتاريخ الأندلس هي مجموعة للتاريخ، فمن الضروري أن يذكر فيها كل الأسماء المؤثرة في تاريخ الأندلس، لكن ليس بالضرورة أن تحفظ كل الأسماء والتواريخ، وعلى سبيل المثال: ما حدث في الحلقة السابقة من صراع دامي وطويل بين مجموعة الملوك الأقزام من سنة (399) إلى سنة (422هـ)، أي: (13) خليفة، غير مهم أن تحفظ أسماء هؤلاء الخلفاء الذين ما حكموا إلا شهوراً معدودات، وما حكموا إلا لجمع الدنيا والمال وما إلى ذلك.
وهذه الفترات كانت دامية في العصر الإسلامي في بلاد الأندلس، لكن المهم هو العبرة في هذه الفترة من الفرقة، وأثرها على المجتمع، والولاء للنصارى والتعاون معهم ضد المسلمين، وأثر ذلك على المجتمع الأندلسي، والترف وأثره على المجتمع والقواد والشعوب.
وهناك على الجانب الآخر أسماء لابد أن تحفظ وأن تدرس بعناية وأن تتخذ نبراساً للأمة، أمثال: موسى بن نصير وطارق بن زياد وعبد الرحمن الغافقي وعبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر والحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمهم الله، ومما لا شك أن لهؤلاء أخطاء وعيوباً، لكنها قليلة جداً بالنسبة للحسنات الكثيرة التي فعلوها، فتدرس حياة هؤلاء بعناية، وتدرس العبر والدروس لهذا التاريخ الطويل.
فنحن نلخص تاريخ (800) سنة، فعليكم أن تعذرونا في كثرة الأسماء والأحداث وتلاحقها؛ لأننا نريد أن نكمل هذه المجموعة في حوالي (11) أو (12) درساً، أي: أن تاريخ 100 سنة تقريباً أو أقل منها بقليل يكون في كل حلقة واحدة، وهذا الشيء يجعلنا نتغاضى عن كثير من الأحداث، ليس لقلة أهميتها، ولكن لضيق الوقت، والأمر محتاج لدراسة طويلة.
أنا أنصح كل الإخوة الذين يسمعون هذه الحلقات أن يسمعوا الأشرطة أكثر من مرة، وأن يدونوا ذلك، ويجمعوا الأحداث والأفكار؛ لأن هذه دراسة لتاريخ الأندلس، ليس مجرد أخذ بعض المعلومات من هذا التاريخ، وهذه الدراسة متأنية، وأنا واثق أنه في كل سماع جديد للشريط ستوجد نتائج ودروس جديدة، فهذه دعوة مفتوحة للجميع.
هذا سؤال يقول: لماذا كلما قام المسلمون على أقدامهم سقطوا، وكأنه ليس هناك أمل، أليس من قيام لا سقوط بعده، ولا تحصل فيه هذه الهزات المتتالية للمسلمين؟
صلى الله عليه وسلم نحن رأينا في تاريخ الأندلس قياماً أثناء الفتح وعهد الولاة الأول، ثم تلاه سقوط في آخر عهد الولاة، وحللنا ذلك، ثم رأينا قياماً في أول الإمارة الأموية في عهد عبد الرحمن الداخل ومن تبعه من الأمراء والخلفاء، ثم تلاه سقوط في النصف الثاني من الإمارة الأموية في عهد الضعف، والذي استمر من سنة (238 - 300هـ) أي: قرابة 62 سنة، ثم صار قيام من جديد في عهد عبد الرحمن الناصر ووصول إلى الذروة والعلو، ثم سقوط بعد نهاية عهد الحاجب المنصور أو الدولة العامرية والدخول فيما يسمى بعهد ملوك الطوائف، والذي قد تحدثنا عنه في الحلقة السابقة، واعذروني في هذه الحلقة لأنه سيكون فيها أشياء قد تدمي القلب أكثر، لكن هذا واقع لا بد من دراسته.
وللجواب عن السؤال الذي يقول: لماذا كلما نقوم نقع؟ ولماذا كلما ارتفعت الأمة سقطت؟ فهذه ملحوظة في منتهى الجمال، نقول: من سنن الله سبحانه وتعالى الارتفاع والهبوط، وهما بصفة مستمرة منذ نزول الرسالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، بل وحتى يوم القيامة، فالمسلمون لا يقومون ولا ينهضون بأمتهم إلا إذا أخذوا بأسباب القيام، وأسباب القيام كثيرة جداً تحدثنا عنها في كل فترة من فترات القيام، ومن أهمها: الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والاعتقاد الجازم بنصرته وقدرته سبحانه وتعالى، والأخوة بين المسلمين والوحدة بين الصفوف والتجمع، ونبذ الفرقة، والعدل في التعامل بين الحكام والمحكومين، وانتشار العلم والدين بين الناس، والأخذ بالأسباب بصورة كاملة، من عدة وعتاد وعدد وخطط وعلم ومال، وكل ما هو مستطاع في اليد، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ