في سنة (399هـ) توفي عبد الملك بن المنصور في حملة من الحملات في الشمال، وتولى أخوه عبد الرحمن بن المنصور الحجابة، وفي هذه الفترة بدأت الدولة العامرية تسيطر على الأمور، فبعد وفاة عبد الملك المنصور تولى عبد الرحمن بن المنصور الحجابة، وأخذ يدير الأمور من وراء الستار، لكن عبد الرحمن بن المنصور كان مختلفاً عن أبيه وعن أخيه.
فقد كان شاباً ماجناً فاسقاً شارباً للخمر مكثراً من الزنا، وكان يفعل من المنكرات الكثير، وكان الشعب يكرهه بشدة، بالإضافة إلى أن أمه كانت بنت ملك نافار وكانت نصرانية، وكان الشعب يكره أن يتولى عليهم الحكم رجل تجري في عروقه دماء النصارى.
فقام عبد الرحمن بن المنصور بإقناع الخليفة هشام بن الحكم بأن يجعله ولياً للعهد من بعده، بمعنى: أنه لو مات هشام بن الحكم سيصبح خليفة المسلمين في هذه البلاد عبد الرحمن بن المنصور، فضج بنو أمية لهذا الأمر وغضبوا وغضب الناس أجمعون، لكن لم تكن لهم قدرة على عبد الرحمن بن المنصور وقد جعل جميع الولايات في يد العامريين وفي يد البربر أتباع العامريين منذ أيام الحاجب المنصور.
ومع كل هذا الفسق والمجون الذي كان فيه عبد الرحمن بن المنصور إلا أن الشعب كان قد تعود على أمور الجهاد والخروج كل عام إلى بلاد النصارى، فخرج عبد الرحمن بن المنصور على رأس جيش من الجيوش ليحارب في الشمال، فانتهز الناس فرصة وبدءوا يحاولون أن يغيروا من الأمر فذهبوا إلى هشام بن الحكم في قصره وخلعوه بالقوة وعينوا رجلاً آخر من بني أمية اسمه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر، من أحفاد عبد الرحمن الناصر، ودبروا مكيدة لـ عبد الرحمن بن المنصور وقتلوه وانتهى بذلك عهد الدولة العامرية.
منذ مقتل عبد الرحمن بن المنصور.
وبعد ذلك انفرط العقد تماماً في بلاد الأندلس، سبحان الله! كنا نتكلم منذ قليل على قوة ومجد وعز وسلطان بلاد الأندلس، وكيف كانت بلاد النصارى في الشمال تدفع الجزية للمسلمين، وكيف كانت السفارات تأتي من كل بلاد العالم تطلب ود عبد الرحمن الناصر وتطلب ود ابنه الحكم بن عبد الرحمن الناصر، ثم بعد ذلك انفرط العقد تماماً، وبدأت البلاد تقسم والثورات تكثر، والمكائد تتوالى، وأمور عجيبة جداً تحدث في بلاد الأندلس.
لا بد لنا من وقفة مع هذا الحدث، وكما ذكر بعض أساتذتي في التاريخ أن عبد الرحمن بن المنصور كان رجلاً ماجناً فاسقاً فأساء للإسلام والمسلمين، وبسببه سقطت الخلافة الأموية والدولة العامرية، وحدثت الهزة الكبيرة في بلاد الأندلس.
ليس من سنن الله سبحانه وتعالى أن تهلك الأمم لمجرد ولاية رجل فاسق لفترة شهور معدودات، فـ عبد الرحمن بن المنصور لم يمكث في الحكم إلا شهور، فمهما كان من الفاسقين والظالمين لا يمكن أبداً أن تسقط البلاد هذا السقوط السريع، وتفشل هذا الفشل الذريع، إلا إذا كانت هناك بذور كبيرة جداً للضعف نمت من قبل، وبدأت تتزايد مع مرور الزمان، عندما حللنا عهد الإمارة الأموية، ورأينا كيف ضعفت الإمارة بعد عهد القوة، وجدنا أن هناك بذوراً للضعف في عهد الإمارة الأموية، وهكذا كانت بذور الضعف سبباً في هلاك الدولة الأموية أو الخلافة الأموية، بعد سنوات من نمو هذه البذور في حياة الأمويين في بلاد الأندلس.