إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فنبدأ بعون الله في الحلقة السابعة من حلقات الأندلس: من الفتح إلى السقوط.
في الحلقة السابقة توقفنا عند آخر عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر رحمه الله، وذكرنا الفترة العظيمة التي مرت في تاريخ الأندلس من سنة (300هـ) منذ ولاية عبد الرحمن الناصر رحمه الله إلى سنة (366هـ).
في آخر عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر، مع أنه كان من أفضل حكام المسلمين في هذه البلاد، إلا أنه أخطأ خطأً كبيراً جداً، فقد أصيب في آخر أيامه بالفالج، يعني: الشلل، فاستخلف ابنه هشام بن الحكم على حكم هذه البلاد العظيمة وعمره اثنتا عشرة سنة فقط، وقد كان أكبر أولاده، فاستخلفه على حكم الأندلس ومن فوقها بلاد النصارى في الشمال، ومن تحتها بلاد الدولة الفاطمية، وكل ممالك أوروبا تتشوق إلى هزيمة هذه البلاد وإلى الكيد لها.
فهذه زلة خطيرة جداً من الحكم بن عبد الرحمن الناصر وكان عليه أن ينتقي خليفة مناسباً ولو من غير بني أمية، يستطيع أن يقوم بالأعباء الثقيلة لمهمة حكم دولة قوية مثل دولة الأندلس، دولة متسعة الأطراف ولها أعداء كثر.
لكن الذي حدث هو أنه استخلف ابنه، ثم مات في سنة (366هـ) ليتولى هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر الحكم، وهو طفل صغير لا يستطيع أن يحكم البلاد، ولذلك جعل عليه مجلس وصاية.
فمجلس الوصاية هذا كان مكوناً من ثلاثة: الأول: الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي، والحاجب يعني: رئيس الوزراء، فهذا كان أحد الأوصياء على هشام بن الحكم.
الثاني: قائد الشرطة: محمد بن أبي عامر، وقائد الشرطة في هذا الوقت مثل وزير الداخلية، ومحمد بن أبي عامر كان من اليمن ليس من بني أمية.
الثالث: أم هشام بن الحكم وكان اسمها صبح.
والمثل يقول: المركب الذي فيه سائقان يغرق، فقد كان محمد بن أبي عامر طموحاً في أن يكون والياً على هذه البلاد.
فدبر مكيدة لسجن الحاجب جعفر بن عثمان ثم قتله بعد ذلك.
فهذا الرجل الذي قام بمكائد عدة ومؤامرات عظيمة، حتى تظن أنه من أكثر الناس مجوناً وفساداً، ثم إذا به يقوم بحسنات عظيمة حتى تظنه أنه من أعظم المجاهدين، فأمره عجيب جداً وسنرى، فصلاً من حياته مع سيرة هشام بن الحكم.
أما أم هشام بن الحكم فقد كانت ضعيفة بالنسبة لقائد الشرطة فلم تؤثر عليه في شيء فتركها في قصرها، لكنه تقلد الأمور وحده وبدأ يحكم في بلاد الأندلس باسم الخليفة الصغير هشام بن الحكم.
وأراد أن يقوي منصبه أكثر من ذلك، فتزوج ابنة غالب بن عبد الرحمن أمير الجيش، وبذلك ضمن ولاء الجيش الأندلسي له، ثم دبر محمد بن أبي عامر مكيدة أخرى لـ غالب ثم قتله؛ لأنه اكتشف نواياه وعلم خطته.
ثم بعد ذلك استدعى جعفر بن علي بن حمدون، قائد الجيش الأندلسي في المغرب في عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر، فاستدعاه وقربه إليه واستفاد من قوته، ثم بعد ذلك دبر له مكيدة أخرى ثم قتله، وبذلك تمكن من كل الأمور، كان كلما قتل واحداً عين آخر برأيه هو، وهو الوصي الأساسي على هشام بن الحكم الذي هو صورة خليفة في قصر السلاح.
الأمر الذي بعد هذا أنه بدأ يقنع الخليفة هشام بن الحكم بالاختفاء عن العيون في قصره خوفاً عليه من المؤامرات، وقال: إن الخلفاء يجب أن يتفرغوا للعبادة، ويتركوا أمور الناس لرئاسة الوزراء أو لقوة الشرطة أو ما إلى ذلك، فقام هو بإدارة كل شيء، وربي هشام بن الحكم الطفل الصغير على ترك الأمور لـ محمد بن أبي عامر، ومرت السنوات ومحمد بن أبي عامر يتولى كل شيء في بلاد الأندلس وهشام بن الحكم يكبر في السن ولكنه ربي على عدم تحمل المسئولية.
وفي سنة (371هـ) أي: بعد حوالي خمس سنوات من تولي هشام بن الحكم الأمور ووصاية محمد بن أبي عامر عليه سمى محمد بن أبي عامر نفسه بـ الحاجب المنصور، ولأول مرة نسمع أن رئيس الوزراء أو الوصي يسمي نفسه باسم المنصور، وأصبح يدعى له على المنابر مع الخليفة هشام بن الحكم، وبدأ محمد بن أبي عامر ينقش اسمه على النقود والكتب، وأصبح هو كل شيء في بلاد الأندلس.
نحن نعرف أن عبد الرحمن الناصر رحمه الله كان قد أسس مدينة الزهراء في الشمال الغربي من مدينة قرطبة، أما