أما ما كانت عليه الإمارة الأموية في فترة الضعف سنة (300هـ)، فكان كما يلي: أولاً: وجود حركات تمرد في معظم مناطق الأندلس؛ كان من أشهرها حركة عمر بن حفصون أو صمويل بن حفصون الذي تنصر في سنة (286هـ).
ثانياً: الحكومة الأموية المركزية لا تملك إلا قرطبة فقط، وما حولها من القرى، وهذا يمثل تقريباً أقل من عشر مساحة الأندلس في ذلك الوقت.
ثالثاً: شمال الأندلس كانت به ثلاث ممالك نصرانية: أراجون، ونافار، وليون، وأكبرها مملكة ليون، وكانت هذه الممالك قد بدأت تجترئ على الحدود الشمالية الأندلسية وتهجم عليها، بل واحتلت بعض المدن الإسلامية في الشمال، مثل: مدينة سالم.
رابعاً: أن الأمير عبد الله بن محمد وهو آخر الأمراء كان قد مات في سنة ثلاثمائة من الهجرة، وابنه الأكبر محمد الذي كان مرشحاً للخلافة كان قد قتل، وخلف وراءه طفلاً عمره ثلاثة أسابيع فقط.
خامساً: الدولة العبيدية الشيعية المسماة بالفاطمية ظهرت وبقوة في المغرب، فقد بدأ ظهورها في عام (296هـ) وهي تؤيد عمر بن حفصون وتدعمه بالسلاح عن طريق مضيق جبل طارق.
سادساً: روح سلبية رهيبة تستولي على الناس في كل ربوع الأندلس، أنه لا أمل في الإصلاح.
سابعاً: الأمر في بلاد العالم الإسلامي لا يختلف كثيراً عن الأحوال في بلاد الأندلس، فقد تمزق العالم الإسلامي إلى دويلات كثيرة متفرقة.
في هذا الجو المليء بالفتن، وهذه التركة المثقلة بالهموم حدث أمر غريب ولكنه متوقع، فقد زهد جميع أبناء عبد الله بن محمد المرشحين للخلافة عن الحكم، لأن الحكم تركة مثقلة بالهموم، ولا يصلح فيهم أحد لهذا الأمر، فقدموا حفيد عبد الله بن محمد، حفيد الأمير الأخير عبد الله بن محمد، وهو ابن القتيل محمد بن عبد الله، الذي قتل منذ اثنتين وعشرين سنة، وهذا الحفيد هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط رحمه الله، وكان يبلغ من العمر في ذلك الوقت اثنين وعشرين عاماً فقط، وهو الذي عرف في التاريخ باسم عبد الرحمن الناصر.
يقوم عبد الرحمن الناصر بأمر الإمارة، فإذا به يغير الضعف إلى قوة، والذل إلى عزة، والفرقة إلى وحدة، والهوان إلى مجد وسيادة وسلطان، وهي خطوات بحق لا بد أن تدرس بعناية.
فهذا الرجل لو كان في زماننا لكان في السنة الرابعة في الجامعة على أقصى تقدير، فقد كانت طاقة الشباب لديهم كبيرة جداً، وأحياناً قد يبخس الشباب نفسه، أو يبخس المجتمع، وسبحان الله! فإن الإسلام دين عجيب، وهذه الأمة أمة ولادة، فإن موسى بن نصير فتح الأندلس وهو في الخامسة والسبعين من عمره، ومع ذلك كانت له روح الشباب في هذا السن المتقدم.
أما الشاب عبد الرحمن الناصر رحمه الله، فقد ضم إلى فورة الشباب حكمة الشيوخ، رحمه الله وأكثر من أمثاله.