هذا سؤال أخير عن طبيعة الحكام في فترة الضعف في عهد الإمارة الأموية في الأندلس والتي استمرت من (238هـ - 300هـ)؟
صلى الله عليه وسلم أن الأمراء الذين حكموا في هذه الفترة ثلاثة وهم: محمد بن عبد الرحمن الأوسط، والمنذر بن محمد وعبد الله بن محمد، فقد كان محمد بن عبد الرحمن الأوسط عاقلاً رزيناً مجاهداً، خفف الأعباء المالية عن الناس واهتم بالعلماء، أما المنذر بن محمد فقد كان فارساً شجاعاً وقائداً متميزاً، ولم يحكم إلا سنتين فقط، ثم مات وهو في حصار إحدى حركات التمرد، أما عبد الله بن محمد فإنه كان متقشفاً عادلاً رحيماً محباً للناس ينظر في المظالم بنفسه.
إذاً: كان الأمراء على درجة عالية جداً من التقوى والعدل والرحمة والجهاد، ومع ذلك ضعفت الأمة، والملحوظة الغريبة أنه يسأل: لم لم تسقط الأمة في عهد الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل الذي تميز في معظم فترات حياته بالظلم والقسوة، ولكنها سقطت في عهد هؤلاء الذين تميزوا بالتقوى والعدل والرحمة والجهاد؟ ولتبرير هذا التباين أرى بعض الأمور، وقد يكون هناك تبريرات كثيرة جداً، لكن أكتفي باستنتاجين: الأول: أن هؤلاء الأمراء كانوا يتصفون بضعف القيادة، وسوء الإدارة باستثناء المنذر بن محمد، بينما تميز الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل -على الرغم من ظلمه- بحسن الإدارة وقوة الشخصية.
إذاً: القائد لا بد أن تجتمع له مع التقوى الكفاءة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوزع المهام على أصحابه، كان يعطي هذا قيادة الجيوش، وهذا قراءة القرآن، وهذا الأذان، وهذا إمامة الصلاة، وهكذا كان يوزع عليهم الأمور بحسب كفاءتهم وقدرتهم على العمل، مع أن الجميع من الأتقياء.
إذاً: الكفاءة مطلوبة مع التقوى.
الثاني وهو هام جداً: أن الشعب في عهد الحكم بن هشام كان قد ربي على أعلى درجات التربية، وذلك في عهد عبد الرحمن الداخل رحمه الله، وفي عهد ابنه هشام بن عبد الرحمن الداخل الذي شبهوه بـ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، فلم تسقط الإمارة في عهد الحكم بن هشام، بل إنه قد تاب من ظلمه في آخر عامين من حياته تأثراً بشعبه الذي كان غالبه على التقوى.
بينما الشعب في عهد الضعف كان شعباً متراخياً، ربي على الدعة والخنوع والطرب والمال وحب الدنيا وكثرة الغنائم وما إلى ذلك، فحتى إن تولى الصالحون فإن الأمة ستسقط، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث).
والخبث كثر في عهد الإمارة الأموية الثاني، حتى أصبح عموم الشعب من الخبثاء، ومن محبي الدنيا والدعة والخنوع، وهذا يبين دور تربية الشعوب على حب الله سبحانه وتعالى، وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.