انتفاضة موسى بن أبي غسان ضد الصليبيين في الأندلس وتسليم أبي عبد الله الصغير غرناطة للنصارى

قامت في بلاد غرناطة في ذلك الوقت انتفاضة إسلامية قوية جداً بقيادة موسى بن أبي غسان وحرك الجهاد في قلوب الناس، وبدأ يحمّسهم على الموت في سبيل الله، وعلى الدفاع، فتحرك الشعب ليدافع عن غرناطة، وضلوا في دفاعهم طيلة سبعة أشهر كاملة، والمسلمون يدافعون عن حصون غرناطة ضد الهجمات الصليبية الشرسة، والصغير ينظر إلى تلك الأمور ويتفرج عليها وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ويتمنى أن يجد حلاً أو مخرجاً فلا يجد، لكن بعد سبعة أشهر من هذه الأمور يحدث أمر جديد، وهو أن يُرسل فرديناند الثالث وإيزابيلا رسالة إلى الصغير يطلبان منه فيها أن يسلم غرناطة، على أن يعطوه شروطاً كثيرة جداً تضمن له ولقومه ولجيشه الأمان، فقد أعطوه في تلك الرسالة أكثر من سبعين شرطاً يضمن له البقاء، فتترك المساجد ولا تدخل الديار، ويطلق الأسرى، وتؤمّن الأعراض والأموال، ويوضع الصغير كأحد الوزراء المعاونين لملك إسبانيا، لكن موسى بن أبي غسان الذي قاد الانتفاضة هناك في بلاد غرناطة في ذلك الوقت فهم مغزى الرسالة، من أنها محاولة من النصارى لوقف الانتفاضة ووقف الدفاع عن البلاد، ووقف الحمية للجهاد، ووقف حمية الناس للموت في سبيل الله، لكن الصغير وجدها حلاً مناسباً للخروج من المأزق، فهو لا يريد أن يجاهد ولا يريد أن يحارب، بل يريد أن يبقى حياً ولو في ذل، فوافق الصغير على المعاهدة، ولكنه اشترط لنفسه شرطين، لأجل أن يؤمن نفسه من خيانة النصارى، الشرط الأول: أن يقسم على هذه العهود فرديناند وإيزابيلا فأقسما على هذا الأمر.

الشرط الثاني: أن يحكّم هيئة معينة تضمن تطبيق هذه المعاهدة، وهو البابا في إيطاليا، فوقع البابا على هذه المعاهدة، فسلم الصغير مفاتيح غرناطة، وأوقف حركة الجهاد في البلد في مقابل أن يعطوه الأمان، بعد أن وقع له بابا روما وأقسم على تلك العهود فردنياند وإيزابيلا.

ففهم موسى بن أبي غسان رحمه الله هذا الأمر ووقف في قصر الحمراء، وقال: إن النصارى لا عهد لهم، ثم خطب خطبة مهيبة قال فيها: لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم، إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا، وهتك نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي، والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنفاق والمحارق، هذا ما سوف نعاني من مصائب بدلاً من الموت الشريف، أما أنا فوالله لن أرى كل هذا الذل، وسأموت الموت الشريف، وغادر المجلس وذهب إلى بيته ولبس سلاحه وركب جواده وانطلق يقابل سرية من سرايا النصارى، وكان عددهم خمسة عشر رجلاً فقتل معظمهم ثم قتل في سبيل الله، وهذا ما نسميه اليوم بالعملية الاستشهادية، وكان مقتل موسى بن أبي غسان وتسليم الصغير مفاتيح غرناطة إيذاناً بانتهاء عصر الدولة الإسلامية في مملكة غرناطة خاصة والأندلس عامة، فأعطى الصغير الموافقة للملكين فرناندو الثالث وإيزابيلا بدخول غرناطة، وأرسل لهم بعض الهدايا، ودخل الملكان القصر الكبير قصر الحمراء ومعهما الرهبان، وكان أول ما فعل أن علّق صليباً فضياً كبيراً فوق برج القصر الأعلى، وأُعلن من فوق البرج أن غرناطة أصبحت ملكاً لملكي الكاثوليكيين، وأن حكم المسلمين قد انتهى من بلاد الأندلس، وخرج أبو عبد الله محمد الصغير من القصر الملكي، وسار بعيداً في اتجاه المغرب ووصل إلى ربوة عالية تطل على قصر الحمراء يتطلع إلى القصر والمهد القديم، فلم يستطع أن يتمالك نفسه فانفجر بالبكاء حتى بللت دموعه لحيته، فقالت أمه عائشة الحرة: أجل، فلتبك كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال.

وهذا التل الذي وقف عليه أبو عبد الله محمد الصغير ما زال موجوداً في إسبانيا، وما زال الناس يذهبون إليه يتفرجون على هذا الملك الذي أسسه الأجداد، ويُعرف هذا التل في إسبانيا بزفرة العربي الأخيرة، وكان بكاء أبي عبد الله محمد الصغير لما ترك ملكه في (2) ربيع الأول سنة (897هـ) الموافق (2) يناير سنة (1492م)، ثم هاجر أبو عبد الله محمد الصغير إلى بلاد المغرب، وهناك اعتقله ملك المغرب بتهمة الخيانة لبلاد المسلمين ووضعه في سجنه، وكما يقول المؤرخون: إن أولاد محمد الصغير صاروا بعد سنوات يشحذون في شوارع المغرب، وهذا من نتائج الذل وترك الجهاد، فلقد اندثرت حضارة الدنيا والدين ما عرفت أوروبا مثلها من قبل، وارتفع علم النصرانية فوق سطح الإسلام المغلوب، وطويت صفحة خالدة، وليت شعري أين موسى بن نصير؟ وأين طارق بن زياد؟ وأين يوس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015