كان عبد المؤمن بن علي شخصية قوية جداً، وكان عنده فكر سياسي عال جداً، وإدارة في منتهى القوة لبلاد المغرب العربي، فقد بدأ يؤسس دولة قوية هي دولة الموحدين بطريقة مرتبة ومنظمة وشديدة كما ذكرنا، وكانت على النحو التالي: أولاً: أطلق عبد المؤمن بن علي حرية العلوم والمعارف، وأنشأ كثيراً من المدارس، وهذا على خلاف طريقة محمد بن تومرت، فقد كان عنده فكر واحد فقط، أما في عهد عبد المؤمن بن علي فقد أصبح الناس يتعلمون أكثر من نهج، ولا يرتبطون بفقه واحد كما كان في عهد محمد بن تومرت.
وكان عبد المؤمن بن علي يتميز بتفرده في الإدارة، فلا يأخذ كثيراً بالشورى، وهذا أيضاً كان فكر محمد بن تومرت الذي كان يعتمد تماماً على اجتهاداته، حتى إنه كان لا يسير على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم لاجتهاده المخالف لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عبد المؤمن بن علي مثل محمد بن تومرت في هذا الأمر، لكنه أطلق حرية العلوم والمعارف، وأنشأ كثيراً من المدارس والمساجد وقرن الخدمة العسكرية دائماً بالعلوم، وأنشأ مدارس كثيرة لتعليم وتخريج رجال السياسة والحكم، وكان يمتحن الطلاب بنفسه، فأخرج جيلاً كبيراً من قواد الحروب ومن السياسيين البارعين في دولة الموحدين، وكان يدربهم على كل فنون الحرب، حتى إنه أنشأ بحيرة صناعية كبيرة جداً في بلاد المغرب؛ لتعليم الناس كيف يتقاتلون في الماء، وكيف تقوم الحروب البحرية، وكان يختبر المقاتلين الموحدين بنفسه أيضاً.
وأقام مصانع كثيرة جداً للسلاح، ومخازن ضخمة جداً للسلاح، وأصبحت دولة الموحدين من أقوى الدول الموجودة في المنطقة عسكرياً.
فكل هذا الأمر كان في بلاد المغرب العربي، أما بلاد الأندلس فلم تكن في حسابات عبد المؤمن بن علي في ذلك الوقت؛ لأنه كان يحاول أن يستتب له الأمر في بلاد المغرب العربي حيث أنصار المرابطين في كل مكان، والوضع في بلاد الأندلس هو سقوط أكثر من مدينة في يد النصارى، والتدهور أصبح سريعاً هناك.
وفي سنة (543هـ) بعد هذا التدهور الكبير في بلاد الأندلس قدم منها إلى بلاد المغرب العربي القاضي ابن العربي من أكبر علماء المسلمين، صاحب كتاب (العواصم من القواصم)، وبايع عبد المؤمن بن علي وطلب النجدة لأهل الأندلس، فمبايعته لـ عبد المؤمن بن علي تعطي إشارة واضحة إلى أن القاضي ابن العربي رحمه الله يعلم أن عبد المؤمن بن علي لا يدعو إلى أفكار ضالة كالمهدية والعصمة وما إلى ذلك، وإلا لم يكن للقاضي ابن العربي أن يأتي من بلاد الأندلس ويبايعه على الطاعة والنصرة.
فـ عبد المؤمن بن علي سمع من القاضي ابن العربي، وجهز جيوشه، وانطلق إلى بلاد الأندلس، وبدأ يحارب هناك حتى ضم معظم بلاد الأندلس الإسلامية التي كانت في أملاك المرابطين إلى دولة الموحدين، وممن قاتلهم بعض الأنصار لدولة المرابطين لكنه انتصر عليهم، واستعاد معظم هذه البلاد في سنة (545هـ).
وفي سنة (552هـ) استعاد بلدة ألمرية التي كانت على البحر الأبيض المتوسط، وفي سنة (555هـ) استعاد تونس من يد النصارى، وبعدها بقليل ضم ليبيا ولأول مرة إلى حدود الموحدين.
إذاً: بلغت في عهده دولة الموحدين كامل مساحة دولة المرابطين بالإضافة إلى ليبيا واقتربت جداً من حدود مصر، وكان عبد المؤمن بن علي يفكر في أن يوحد كل أطراف الدولة الإسلامية تحت راية واحدة تكون لدولة الموحدين.