استمر الجهاد في عهد علي بن يوسف بن تاشفين ولم يتوقف، فقد كانت له صولات وجولات مع النصارى في أكثر من موقعة، ومع ذلك فتن المرابطون بالدنيا مع استمرار الجهاد وكثرة الذنوب في البلاد، وإن وجد العلماء، وهذه في منتهى الغرابة ألغاز عجيبة في الظاهر، لكن عندما نحلل الموقف نجد الأمر شيئاً طبيعياً وهو افتتان الناس بالدنيا والجهاد مستمر، وكثرة الذنوب في وجود العلماء، وهذا يرجع إلى أمرين: الأمر الأول: الخطأ الكبير الذي ارتكبه المسلمون في دولة المرابطين -وعلى المسلمين أن يحذروا منه دائماً- هو التركيز على جانب من جوانب الإسلام وترك الجوانب الأخرى، فقد انشغل المرابطون في أرض الأندلس وفي بلاد المغرب وما حولها بالجهاد في سبيل الله عن تعليم الناس وتفقيههم في الدين، ومهمة التعليم مهمة شاقة جداً وبالذات في هذا الزمن، والناس بطبيعتها لا تحب من يعطي لها قوانين وبرامج، فهي متفلتة من التعلم ومن الالتزام بالدين، فتريد أن تبذل معها مجهوداً ضخماً حتى تعلمها أمر دينها.
فالمرابطون انشغلوا بالجهاد في سبيل الله، وجيوشهم الكثيرة جداً تخرج في كل مكان، والناس ما تعلمت الدين كما ينبغي أن تتعلم، كما كان في عهد عبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين رحمهما الله.
والإسلام دين متوازن لا يغلب جانباً على جانب، فقد انشغل المرابطون عن إدارة الحكم والسياسية في داخل البلد بالأمور الخارجية.
ومن عوامل نجاح عبد الرحمن الناصر رحمه الله كما ذكرنا سابقاً أنه أقام الدولة المتوازنة في العلم والجهاد والاقتصاد والقانون والعمران والعبادة وكل شيء، وكون الدولة التي تسد حاجات الروح والجسد فسادت الدولة وتمكنت.
وكذلك كان من عوامل نجاح الشيخ عبد الله بن ياسين في نشأة دولة المرابطين: أنه أقام الجماعة المتوازنة التي تهتم بكل جوانب الحياة وتعطي قدراً مناسباً من الجهد والطاقة والوقت والعمل، كما علمهم أن يكونوا مجاهدين علمهم أن يكونوا عابدين لله سبحانه وتعالى، وكما علمهم أن يكونوا سياسيين بارعين علمهم أن يكونوا متعاملين تعاملاً على نهج الإسلام وأصول الإسلام، حتى أنشأ ما يسمى بالجماعة المتوازنة، لكن أن يوجه المسلمون طاقتهم في دولة المرابطين في سنة (500) وما بعدها إلى الجهاد في سبيل الله وإلى أمور العبادة، ويتركوا أمور السياسة الداخلية وتثقيف الناس وتعليمهم أمر الدين، والسيطرة على المعاصي التي بدأت تنتشر في بلاد المغرب والأندلس، فهذا شيء فيه خلل حدثت من جرائه هزة في دولة المرابطين.