وقال الشافعي (?) : «ينبغي للإمام أن يُحدِّد بينه وبين أهل الذمة جميع ما يعطيهم ويأخذ منهم، فيسمي الجزية، وأن يؤدوها على ما وُصِفت -يعني: من الصَّغار- وعلى أن يُجرى عليهم حكم الإسلام إذا طالبهم به طالبٌ، أو أظهروا ظلماً لأحد، وعلى أن لا يُذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بما هو أَهلُه، ولا يطعنوا في دين الإسلام، ولا يعيبوا من حكمه شيئاً، فإن فعلوا؛ فلا ذِمَّة لهم، ويأخذ عليهم أن لا يُسْمِعوا المسلمين شركهم، وقولهم في عُزيرٍ وعيسى، فإن وجدهم فعلوا بعد التقدّم في عزيرٍ وعيسى إليهم، عاقبهم على ذلك عقوبة لا تبلغ حدّاً، وأن لا يُكرهوا أحداً على دينهم، إذا لم يُرِدْه من أبنائهم ولا رقيقهم ولا غيرهم، وعلى أن لا يُحدثوا في مصرٍ من أمصار المسلمين كنيسةً، ولا مُجتمعاً لصلاتهم، ولا ضرب ناقوسٍ، ولا حملَ خَمْرٍ، ولا إدخال خنزير، ولا يُعذِّبوا بهيمة، ولا يقتلوها صبراً -يعني: إلاّ ما كان ذبحاً مما يوافق الشرع-، وأنْ لا يدخلوا مسجداً، ولا يبايعوا مسلماً بَيْعاً يحرم في الإسلام، ولا يُسقوا مسلماً خمراً، ولا يطعموه محرماً: من لحمِ خنزيرٍ ولا غيره، ولا
يُظهروا الصليب، ولا الجماعات في أمصار المسلمين» . قال: «وإن كانوا في قرية يملكونها منفردين، لم يمنعهم إحداث كنيسةٍ، ولا يَعرض لهم في خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وجماعتهم» .
قلت: وأمَّا ما يشترط بعد ذلك عليهم من تغيير الزِّيِّ والملبس، والهيئة في المركب، والمنع من التشبه بالمسلمين في مثل ذلك، فقد يكون هذا من المُستحبِّ غير الواجب؛ لأن ذلك كلَّه ليس فيه قدحٌ في الدين، ولا تَنَقُّصٌ على المسلمين، لكن في أخذهم بذلك زيادة الإعظامِ، والحرمة لأهل الإسلام.
فمما روي من هذا النوع عن عمر -رضي الله عنه-، أنه كان في شروط كتابه في صُلح نصارى الشام، وكتب به إلى أمراء الأجناد، يأمرهم أن يختموا في