إلى آخر الحديث، وقد تقدم بكماله في باب: (الدعوة قبل القتال) .
فثبت أن الواجب على ذلك في قتال الكفار أنّ من بذل منهم الجزية -إمّا عموماً في أصناف الكفر، أو خصوصاً في أهل الكتاب، على الخلاف بين أهل العلم الذي نذكره إن شاء الله تعالى- فإنه يحرم بذلك قتالهم، ويجب الكفُّ عنهم والقبول منهم؛ بما ثبت من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأنها إحدى الغايتين اللتين ورَدَ في القرآن الانتهاء إليهما (?) .
والنظر في هذا الباب يتعلق بأربعة أشياء:
الأول: مَن تُقبل منهم الجزية؟ وهل ذلك عام في أصناف الكفر من أهل الكتاب وعبدة الأوثان، ومن لا يدين بشيء أصلاً، أو هو خاص بأهل الكتاب؟.
الثاني: في المقدار المأخوذ منهم في ذلك، وعلى من يفرض فيهم.
الثالث: في حكم من أَسلم منهم بعد الجزية أو مات.
الرابع: في شروط الجزية، وحقوقها الواجبة لهم وعليهم.
فصلٌ: في معرفة من تقبل منهم الجزية من أصناف الكفار
اختلف العلماء فيمن تقبل الجزية منهم على ثلاثة أقوال:
قول: إنها تقبل من جميع الكفار، سواء في ذلك أهل الكتاب وغيرهم من عبدة الأوثان، وكل جاحدٍ مكذبٍ بالربوبية، لا يدين بشيءٍ أصلاً، وسواءٌ في ذلك العرب والعَجمُ، وكلُّ من دان بغير الإسلام من كافة الأمم، وإليه ذهب مالكٌ وجمهور أصحابه، والأوزاعي وغيرهم (?) .