بالفيء والخمس على الأصناف المذكورين في الآيتين المذكورتين، ولا يكون في ذلك حقٌّ لمن سواهم، وهم لا يرون ذلك، بل يجيزون أن يُعطى غير الأصناف، ويترك الأصناف في الآيتين، أو يترك بعضهم بحسب المصلحة عندهم، فقد ادَّعوا مساواتهما في الحكمِ بظاهر الآيتين، ثم نكفوا بهما كليهما عن ذلك الحكم والمصرف المعيَّن إلى مصرفٍ غيره، يدَّعون المساواة فيه استدلالاً بما تركوه، إلا أنهم زعموا أن محمل تعيين الأصناف بالذكر في ذلك إنما هو على التأكيد في أمرهم، لا أنه مقصورٌ عليهم حتى لا يجري ذلك إلا فيهم، وربما كان مِن قول مَن احتجَّ لذلك: أَنْ ذكر قول الله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ} [البقرة: 215] ، فكان للمنفق بإجماع أن يضعَ نَفَقتهُ في غير هؤلاء الأصناف إن رأى ذلك.
وذهب الشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابهما، والأوزاعي، وأبو ثورٍ، وإسحاق، وداود، والنسائي، وعامَّة أهل الحديث والفقه، إلى التفريق
بين مصرف الفيء والخمس، فقالوا: الخمس موضوع فيما عيَّنه الله -تعالى- فيه من الأصناف المُسمّين في آية الخمس من سورة الأنفال، لا يتعدَّى به إلى غيرهم (?) ، ولهم مع ذلك في توجيه قَسَمِهِ عليهم بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافٌ نذكره في قسم الخمس بعد هذا -إن شاء الله تعالى-.
وأما الفيء: فهو الذي يرجع النَّظر في مصرفه إلى الإمام بحسب المصلحة والاجتهاد، والدليل على ذلك: أن آية الخمس في الأنفال عَيَّنتْ مصرف الخمس في الأصناف، وآية الفيء في الحشر هي عامَّة في وجوه المصالح. قال الله
-تعالى-: {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} إلى قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} ثم إلى قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ} ثم إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ} [الحشر: 7-10] ، كلُّ ذلك عند