فأقول: المستأمنُ يموتُ ويخلِّف مالاً في أرض الإسلام، له ثلاثة أحوال:
- فإن مات من غير أن يصيبه جيش المسلمين في دار الحرب، فسواءٌ كان موته في دار الإسلام، أو دار الحرب -إن لم يكن توجهه إليها نقضاً-، حُكمُ ماله حُكمُ الأمان، فهو يُردُّ إلى ورثته من أهل دينه، قال الله -تعالى-: {لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27] .
- وإن كان أصابه جيش المسلمين لما رجع إلى دار الحرب، فكانت إصابتهم إيَّاه في حَوْمَةِ القتال قبل أن يأسروه، فهذا بَطَلَ أن يكون لِمالِه حُكمُ الأمان بعد أن قُتِلَ في حضوره مع أهل الحرب قتالَ المسلمين، فهو يحتمل أن يقال: ماله غنيمةٌ للجيش كسائر ما ظهروا عليه؛ لأنه بغزوهم وإيجافهم انتقل من الأمانة إلى المَغْنم، ويحتمل أن يقال: هو فيءٌ في بيت المال، لا يختصُّ به الجيش، كما قال الأوزاعي.
وقاله ابن حبيب -وعزاه إلى ابن القاسم من أصحاب مالك-؛ لأنه مال كافرٍ استحقَّه المسلمون بعد استقراره بدار الإسلام من غير إيجاف (?) .
وقد قيل: يُردُّ المال إلى ورثته، بمنزلة ما لو مات عَفْواً بأرضه، وهو قول ابن القاسم المشهور عنه، قال: لأنه ائتمن عليه، ثم لم يملك المسلمون رقبة مالكه بعد ذلك.
- وأما إن كان المسلمون أسروه فيمن أُسِر، ثم قتل بَعْدُ، فالأظهر أن ماله مغنومٌ للجيش؛ لأنه بعد الإسار له حكم الرِّقِّ لذلك الجيش، فمالُه قد ملكوه بذلك على حسب اشتراكهم، فهو يخمس، ثم يقسم على الغانمين، والله أعلم. وهو قول ابن القاسم، وقاله عبد الملك بن حبيب، وحكاه عن ابن الماجشون، وأصبغ (?) .